لم تخل الندوة السياسية التي نظمها حزب الاستقلال، أول أمس الأربعاء بالرباط، من إشارات ورسائل سياسية، وصفت بالقوية، وتحاول إعطاء أجوبة على واقع الفرملة الذي تعرفه المشاورات حول تشكيل حكومة ما بعد 7 أكتوبر.
الندوة السياسية التي حملت عنوان “بناء الدولة الديمقراطية استكمال لمهام التحرير الوطني” بمشاركة قادة سياسيين للأحزاب الوطنية والديمقراطية كمحمد اليازغي الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وإسماعيل العلوي الأمين العام الأسبق والرئيس الحالي لمجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية وسعد الدين العثماني الأمين العام السابق والرئيس الحالي للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية والقيادي الاستقلالي محمد السوسي الموساوي، وسط حضور ملفت لرئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ومحمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال وقياديين من حزب الاتحاد الاشتراكي.
الحضور السياسي الوازن رأى فيه ملاحظون ردا ضمنيا للغة الاشتراط السياسي التي باتت تتبناها بعض الأطراف الحزبية في سياق المشاورات التي يقودها رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران من أجل تشكيل الحكومة الثانية بعد دستور 2011.
وفي هذا السياق، وفي محاولة للرد على بعض دعاة الخروج عن المنهجية الديمقراطية، أثنى الكاتب الأول الأسبق محمد اليازغي على تعيين جلالة الملك لعبد الإله بنكران رئيسا للحكومة وتكليف بتشكيل الحكومة، انطلاقا من كون حزبه هو الذي احتل المرتبة الأولى في انتخابات السابع من أكتوبر، ووصف اليازغي قرار الملك بتكليف عبد الإله بنكران بتشكيل الحكومة ب “القرار الحكيم” مؤكدا على أنه يتعين على الطبقة السياسية خلال المرحلة المقبل أن تدخل المغرب في مرحلة الملكية البرلمانية التي ينص عليها الدستور.
وأضاف محمد اليازغي، أن حزب العدالة والتنمية تمكن من تصدر الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 7 أكتوبر الماضي، على الرغم من الحمالات التي شنت ضده قبل وأثناء هذه الانتخابات، بل الأكثر من ذلك يشير المتحدث، فإن هذا الحزب تمكن من تعزيز رصيده الانتخابي.
في المقابل، سجل اليازغي في مداخلته، بعض النقط التي وصفها ب “الصعبة” في تجربة الحكومة المنتهية ولايتها، وقال “إن الانتقال الديمقراطي دخل مع حكومة عبد الإله بنكيران غرفة الانتظار” منتقدا عدم دفاع عبد الإله بنكران عن الملكية البرلمانية طيلة الخمس سنوات التي قضاها على رأس الحكومة.
من جانبه، أكد إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، أنه بالنسبة للمغرب الحديث منذ سنة 1944 كان هناك ربط جدلي بين بناء الدولة الديمقراطية والتحرير الوطني، مضيفا أن موقعي عريض المطالبة بالاستقلال أدركوا منذ البداية هذا الربط الجدلي بين المفهومين، وأن التحرير الوطني لا يقتصر على التخلص من الحماية الفرنسية، بل التحرر من الاستعمار الاسباني والفرنسي واستعادة الأراضي المسلوبة.
وفي السياق ذاته، شدد إسماعيل العلوي على أن الحركة الوطني كانت تعي أن تحرير الشعب سيوصل إلى الديمقراطية التي تتجاوز بحسبه، الديمقراطية التمثيلية الشكلية إلى تلك التي تهم كل مناحي حياة الشعب سواء تعلق الأمر بالديمقراطية التفويضية أو الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية وكل ما يتعلق بالحقوق والحريات والتعبير عن الرأي والمساهمة في تدبير الشأن العمومي بالإضافة إلى إقرار الحقوق الاجتماعية التي لا تقل أهمية عن الحقوق السياسية من قبيل الحق في السكن والتعليم والترفيه والتمتع بكل ما هو متاح للإنسان، قائلا “إن ذلك ما يجعل من الديمقراطية شيئا مستمر البناء وأيضا مهدد بالزاول”.
وأضاف العلوي أنه على الرغم من المكتسبات التي تحققت سنة 2011 بإقرار دستور جديد، فإن هناك وعي بأن الديمقراطية مهددة في العمق، مبرزا أنه عندما يحصل هناك تلاحم بين رئيس الدولة والحركة الوطنية والاجتماعية والتحررية بشكل عام تحدث قفزات أساسية وإيجابية مثل ما حدث سنة 1975، داعيا إلى ضرورة السعي من أجل تعميق النهج الذي جعل المغرب يحرز استقلاله ووحدة ترابه، مؤكدا على أن ما كان صحيحا خلال عقود مضت لم يعد كذلك اليوم، وأن الجميع متفق على أننا في حاجة إلى استقرار النظام الحالي، وسيكون خاطئا من يعتقد أنه بالإمكان العودة إلى ما قبل فترة سبعينيات القرن الماضي.
وأعتبر العلوي المرحلة المقبلة هي مرحلة تركيز المكتسبات وتعميقها من أجل تطور وإسعاد الشعب المغربي، بعيد عن التناحر وشد الحبل الذي لن يؤدي إلا إلى الانحلال.
وبدوره أعتبر سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أن من ضمن الإشكالات الكبرى التي تواجهها الحياة السياسية المغربية بخصوص معركة البناء الديمقراطي هو استقلالية القرار الحزبي لدى بعض الأحزاب، مؤكدا أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية بدون أحزاب حقيقية تملك قرارها السياسي، باعتبارها جزءا أساسيا من البناء الديمقراطي.
وأضاف العثماني أن الوعي بضرورة وجود أحزاب سياسية تملك قرارها السياسي يمكن أن يفرز نخبا في المستقبل قادرة على خوض معركة البناء الديمقراطي، مشيرا المغاربة اليوم، يتوفرون على دستور وضعوه بأنفسهم، وهذا في نظره شيء أساسي ومهم في مسار المغرب، مؤكدا على ضرورة احتزام إرادة الشعب لأنه هو من ينتخب من يمثله ولا ينبغي أن نفرض الوصاية عليه، فاحترام إرادة الشعب هو جزء أساسي من البناء الديمقراطي، معتبر تعيين جلالة الملك لعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة أمرا مهما يدعم النهج الديمقراطي الذي سار عليه المغرب.
وأضاف العثماني الذي أشار إلى أن هناك من يحاول أن يؤول الدستور لمعاكسة إرادة الشعب، أن الصراع اليوم ليس أيديولوجي وإنما هو صراع بين من هو مع الديمقراطية ومع من هو ضدها.
من جانبه، اعتبر محمد السوسي الموساوي القيادي في حزب الاستقلال أن العملية الديمقراطية لم تصل إلى مبتغاها وأنه لا بد من إعمال النقد الذاتي بخصوص الأداة الأساسية لتحقيق الديمقراطية وهي ضرورة وجود أحزاب سياسية حقيقية، مشيرا إلى أن انعدام الوعي الديمقراطي يشكل عائقا أساسيا في البناء الديمقراطي، وأن مسؤولية بناء هذا الوعي تقع على الأحزاب السياسية.
وأشار السوسي خلال هذه الندوة التي أدارها عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عبد القادر الكيحل، أن تساهل الأحزاب السياسية وفقدان استقلاليتها وفقدان المبادرة لديها والاكتفاء برد الفعل والتطبيع مع الأحزاب الإدارية كلها عوامل معيقة للبناء الديمقراطي.
ودعا محمد السوسي الأحزاب السياسية الحقيقة إلى أخذ زمام المبادرة والفعل بدل الاكتفاء برد الفعل واخترام إرادة الناخبين وإخبار الشعب بكل ما يعتمر المشهد السياسي ورفض الرشاوى السياسية من طرف الأحزاب السياسية.
محمد حجيوي