بقلم محتات الرقاص
ما يلف أخبار وتداعيات أزمة الحسيمة يخفي أسئلة وتجليات إستغراب، وهي تجعل المتابع الغيور على البلد وتقدمه وإستقراره يطرح سؤالا مباشرا:
هل هناك جهات ما، بيننا وحوالينا، هنا والآن، في الحسيمة وفِي الرباط، تسعى لإدامة الأزمة وترك التصعيد هناك أبديا؟
فيديو الزفزافي عاريا هو تصرف أهوج وحاط بالكرامة الإنسانية، ويجب أن يسير التحقيق القضائي إلى نهايته لنعرف من إقترف تسريبه وينال جزاءه القانوني.
هنا ليس مهما إفتعال سجالات ثانوية وتافهة حول ما حدث، فالفعل الجرمي واضح بمقتضى القوانين الوطنية وكل المواثيق الحقوقية الكونية، فضلا على أن السلوك يكشف صبيانية باعثة على القرف والحنق، وعَمَى مترسخا ومتفاقما في البصر والبصيرة.
الغريب في كل هذا الذي يحدث حوالينا وأمامنا، أن كل خطوة إيجابية تتم مواجهتها بتصعيد أكبر أو بإمعان في إغلاق أي منفذ يمكن أن يقود نحو الحل والتهدئة.
لما أعلن عن إشارات إيجابية عقب المجلس الوزاري الذي كان ترأسه جلالة الملك، وجدنا داخل الحسيمة وخارجها من يجر الوقائع والألسن والغرائز وكل الأشياء الأخرى نحو سماوات التصعيد والتشنج.
ولما بدأت معالم خطوات ملموسة تسير نحو صياغة فعل التجاوب، وقع تسريب معطيات منسوبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعقب إجتماع وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بمنظمات المجتمع المدني، وقع مباشرة عنف واضح وسط شارع محمد الخامس بالرباط في حق متظاهرين، لم يسلم منه بعض الفاعلين الذين حضروا اللقاء مع الوزير.
وفِي الحسيمة نفسها، لما برزت مؤشرات إيجابية تعلن عن بداية هدوء في الأجواء العامة، وعن تخفيف ثقل الحضور الأمني في الشارع، ووصل عدد من الوزراء إلى عين المكان لتتبع سير المشاريع التنموية وتسريع وتيرة إنجازها، كان هناك من ينظم التظاهرات فقط لإستقبال وفد بلجيكي حل بالمدينة…
هل نحن إذن أمام عمى حقيقي أحكم قبضته على كثير عقول؟ أليس هذا العمى بالذات، وإفتقار بعض الجهات الإدارية وبعض أوساط المحتجين إلى التقدير الإستباقي الناجع هو ما يهدد واقعنا ومستقبلنا؟
أليس هناك من يركب فقط على موضوع الحسيمة ليصفي حسابات قديمة أو جديدة مع مؤسسات وطنية مختلفة؟
إن كل هذا اللا هدوء الملتف حولنا اليوم يجعلنا نخشى، في الواقع، على مجموع المكاسب الديموقراطية والحقوقية التي حققها شعبنا من خلال نضاله الوطني الديموقراطي الطويل والشاق.
والحل إذن؟
إنه يوجد أساسا في الخروج من حالة العمى، ووقف كامل الهيستريا التي يشعلها البعض في الحسيمة وفِي الرباط، والحرص على الهدوء أولا.
إنه أيضا يوجد في الخروج من دوائر السلوكات الصبيانية وعقلية إعلاء سقوف المزايدة من هذا الطرف أو ذاك، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في ممارسات مخالفة للقانون مهما كانت مسؤوليته.
إنه أيضا يوجد في مقاربة شاملة تنتج عنها أفعال ملموسة على أرض الواقع من شأنها تقوية الثقة والطمأنينة وسط السكان.
عدا إتجاه تقوية التهدئة وإقران الإرادة المعبر عنها بأفعال ملموسة والخروج من العمى، فإن التصعيد المتبادل والرد الأمني لن يصنعا حلولا حقيقية، كما أن إصطناع وقائع وإصطفافات وخرائط سياسية محليا وجهويا لن يقود سوى إلى إعادة إنتاج الفشل والإرتطام بالجدار، وباقي تجليات العمى الذي شهدته المنطقة في السنوات الأخيرة.
الذي يهم اليوم هو تحسين أوضاع شعبنا وتلبية إنتظاراته الإجتماعية والديموقراطية في الحسيمة، وفِي باقي جهات البلاد، وتعزيز هدوء الأجواء العامة، وأيضا صيانة إستقرار ووحدة بلادنا، وحماية مكتسبات شعبنا، وعدم المساس بالتوجه الديموقراطي والتحديثي لمجتمعنا.
ليفكر الجميع بحجم الوطن، وليفتح الكل العيون والعقول لإستحضار ما بات يتربص بنا من مخاطر، ولنمسك جميعنا بوضوح النظر بلا عمى أو تعنت أو حنين إلى الماضي.