حوار محمد نبيل بنعبد الله مع جريدة الصباح

0

nabil-benabdallah-assabah

حوار مع جريدة الصباح الصادرة يوم 29/12/2015 والذي يتضمن جوانب تهتم بالشأن الحزبي وجوانب أخرى متعلقة بالساحة السياسية الوطنية.

 

س: كيف تفسرون كونكم حزبا يساريا يدافع بقوة عن تجربة حكومة يقودها حزب إسلامي؟

ج: الغريب ليس أن تدافع عن هذه التجربة، الغريب هو أن نكون ضمن هذه التجربة، ومكونا من مكوناتها، وأن نقضي وقتنا في انتقادها، وفي التعرض إليها.

الأصح هو أنه عندما تلتزم، خاصة في تجربة حكومية أن تكون متضامنا أخلاقيا، وسياسيا مع هذه الحكومة. وإلا، فلن يكون عليك أن تتخذ قرار، المشاركة في هذه الحكومة. أو إذا وجدت نفسك متضايقا من الاستمرار في المشاركة فيها، فآنذاك عليك أن تغادرها، وأن تعلن استقالة حزبك منها. وبما أننا لم نقم بكل هذا، وبما أننا وجدنا هناك أرضية سياسية، تم الاتفاق عليها، وميثاق أخلاقي وسياسي اتفقنا عليه، وأنه عموما هناك سير على هاتين الوثيقتين، لماذا لا ندافع عن هذه التجربة؟ وهي رصيد مشترك بين مكونات الأغلبية، ولنا إسهام فيها، وساهمنا في إغنائها، بخمس حقائب وزارية.

يعلم الجميع الدور السياسي المتزن الذي نلعبه فيها، وهي تجربة سبق لنا في كثير من القضايا، أن تدخلنا بخيط أبيض أو خلف الستار، أو بأشكال مختلفة، من أجل أن نظل في الإطار العام الذي يهدف إلى تثبيت المؤسسات ودورها، وإلى توسيع التجربة الديمقراطية، وتفعيل الدستور في كل مقتضياته، وإلى بلورة توجهات التنمية الاقتصادية، وإلى المزيد من العدالة الاجتماعية في هذه التجربة.

س: في العديد من المحطات، سجل انفراد رئيس الحكومة ببعض القرارات، ما أثار انتقادات من داخل الحكومة؟

ج: لو لم يكن هناك التزام، على مستوى التوجه العام، لغادرنا الحكومة، منذ زمن، وأعتقد أن هناك وفاء والتزاما متبادلا، صحيح هناك في المسار الذي دام أربع سنوات، بعض التعثرات، وهذا أمر طبيعي، كيف لا يكون ذلك والحزب الأساسي الذي يقود الحكومة من مرجعية محافظة، ونحن بمرجعية تقدمية.

ففي بعض القضايا، وقع هناك اختلاف مثلا في قضية دفاتر التحملات، أو في سن الزواج، أو في موضوع الخادمات، وبعد ذلك، ببعض القضايا ذات المرجعية القيمية، احتفظنا بمواقفنا، وأعربنا عما نسميه الاعتراض المبدئي، وقلنا هذا لا، ولا يمكن أن نفجر الحكومة، بسبب تلك القضايا، ولكن سنحتفظ بمواقفنا، وإن دعا الأمر إلى التصويت في اتجاه معاكس.

وحدث ذلك مرة واحدة، لأن الحالات الأخرى التي وقع فيها اختلاف أو تعارض، كنا نجد حلولا وسطى. وفي موضوع ثبوت الزوجية، قلنا لا، وامتنعنا، والامتناع له دلالة في المعنى السياسي، وخارج هذه الحالات المحدودة، لم نعش اضطرابا في الحكومة.

س: بعض منتقديكم، من الذين يتقاسمون معكم المرجعية ذاتها، من داخل القوى الوطنية؟

ج: لم يغادر حزب التقدم موقعه، الآخرون هم الذين غادروا الموقع الذي كان عليهم أن يوجدوا فيه، نحن وجدنا أنفسنا في موقع الدفاع عن الديمقراطية والمؤسسات، والدفاع عن الممارسة السياسية السوية، والدفاع عن الدستور، كما يتعين أن يبلور على أرض الواقع.

وكانت المعركة تقتضي أن توجد القوى التقدمية والوطنية والديمقراطية كلها في صف واحد من أجل ذلك، فالموقع الصحيح هو الذي اخترناه في التقدم والاشتراكية.

س: هذا النقاش يجرنا إلى الحديث عن قوى اليسار، لماذا اتسعت الهوة ببينكم وبين الاتحاد الاشتراكي؟

ج: إن مرجعيتنا في العمل السياسي، ليست هي الاتحاد الاشتراكي، مرجعيتنا هي المصلحة العليا للوطن، ومصلحة الشعب. مرجعيتنا هي ما يقدم الديمقراطية في المغرب، وبالتالي، فلكل طرف أن يختار موقعه، وإذا اعتبرنا أن هناك أخطاء وتوجها سياسيا غير سليم، مثلا في مسألة دستور 1992، اعتبرنا نحن أنه يتعين التصويت لصالح الدستور، لأنه يفتح الباب لتوافق جديد مع المؤسسة الملكية، لكن باقي أطراف الكتلة، اختارت موقفا آخر. وبعد أربع أو خمس سنوات، التحقت بموقفنا.

واليوم أعتقد أن هناك بوادر تؤكد أن المراجعة تتم من قبل هذه الأطراف، وليس من قبل التقدم والاشتراكية، في أفق انتخابات 2016، لذلك نعتبر أن حزبنا على توجه صحيح ومنسجم.

وأتمنى أن نلتف كأطراف مكونة للكتلة حول التصور نفسه، خاصة أن هذا التوجه هو الذي دافعنا عليه بقوة سنة 2011، وقبل ذلك، عندما رأينا بوادر التحكم في القرار السياسي للبلاد، قلنا “على الكتلة أن يكون لها موقف رافض وصامد، وللأسف، لم نصل إلى ذلك، بل كان البعض يقول لنا انتهى زمن الكتلة، وكنا نقول لم ينته بعد زمنها، ونستمر في القول اليوم إن زمن الكتلة لم ينته”.

س: هل هي دعوة من التقدم والاشتراكية لإعادة الروح للكتلة؟

ج: التقدم والاشتراكية لم يغلق أبدا هذا الباب، وبالتالي يظل منفتحا على المبادرات، ويرغب في أن تتأسس المقومات الكفيلة بإحياء الكتلة، وأن يكون لها دور أساسي في الحياة السياسية، فالمغرب ما يزال في حاجة إلى كتلة ديمقراطية قوية.

س: الكتلة بأي مكونات؟

ج: المكونات الأساسية للكتلة، التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، وإذا تمكنا أن نضيف فصيلا آخر من اليسار يقتنع بذلك، فليكن، وإذا كانت هناك إمكانيات للتعامل، كما فعلنا لمدة أربع سنوات، مع العدالة والتنمية، فليكن، إذا ثبت أن مصلحة البلاد تقتضي السير في هذا الاتجاه.

وقد التزمنا بالعمل مع العدالة والتنمية، لأننا وجدناه في الخندق نفسه، مدافعا عن المؤسسات وعن الديمقراطية، وعن إبعاد كل مصادر التحكم في القرار السياسي، وهذا ما يفسر وجودنا في حكومة بنكيران، وإذا استمرت هذه الحالة، أعتقد أن هناك ما يبرر تعاملنا مستقبلا مع العدالة والتنمية.

س: لاحظنا في خطابكم السياسي، رفضكم لما تسمونه محاولة التحكم، من تقصدون بذلك؟

ج: إن من يوجه إلينا انتقادات حول وجودنا في الحكومة مع العدالة والتنمية، بدوره لا يوجد في راحة تامة، لأنه وجد نفسه أيضا في معارضة مع أحزاب مناهضة للتوجه الديمقراطي السليم.

لذلك على الجميع أن يتفهم موقف الأطراف الأخرى، اليوم عفا الله عما سلف، فمصلحة البلاد تقتضي أن نستمر في العمل تحت قيادة صاحب الجلالة، الراعي للمشروع الديمقراطي، من أجل تثبيت المؤسسات، كما أقرها دستور 2011، في صلاحياتها، وأن نستمر في توطيد البناء الديمقراطي، على جميع المستويات.

وكل من لا يشتغل في هذا الاتجاه، خاصة بالنسبة إلى تطوير البناء الديمقراطي، علينا أن نواجهه، ونقول له ليس هكذا سيستقر المغرب، ويمكن للبلاد تفادي ما عرفته بعض الدول العربية.

إن المغرب استطاع، والحمد لله، أن يصل إلى ما وصل إليه، بفضل التوجه الجريء الحداثي الإصلاحي الذي يقوده الملك، وبفضل انخراط عدد من القوى في هذا التوجه، وليس بفضل محاولة البعض تركيع القرار السياسي.

س: ألا يطرح عليكم هذا التوجه الحداثي، مسؤوليات كبرى، في ظل ضعف اليسار؟

ج: أنا معكم في هذا التشخيص، ولذلك من واجبنا في التقدم والاشتراكية، أن نلعب دورا أساسيا على هذا المستوى، وأن نستمر في مد اليد على أساس أن تفهم كافة مكونات اليسار، خاصة المنصهرة في المؤسسات بدرجة ما، أن البناء الديمقراطي يتم بالتدرج، وبالمعارك التي تؤدي إلى توطيد المكتسبات، ويقتضي الواقعية والجرأة في الوقت ذاته، لكن يقتضي التعامل مع الواقع كما هو، وبالتالي، هناك موازين قوى، تجعلنا اليوم في هذه الوضعية. ولا يمكن، ونحن في وضع كهذا أن نحصل على أكثر مما نحن بصدده، فإذا أردنا أن نكون مؤثرين، يجب في البداية، توحيد صفوف اليسار حول مشروع متزن معقول وقابل للبلورة، وعلينا أن نشتغل من أجل إقناع ما يمكن أن نسميه شعب اليسار، بأن هناك مصداقية في خطاب اليسار.

فلماذا صوت الناخبون على العدالة والتنمية بكثافة في الانتخابات؟، لأنهم وجدوا فيهم المعقول، ولو بصيغة محافظة. ونحن نتوجه اليوم إلى مختلف مكونات اليسار، لنقول هناك صيغة تقدمية حداثية للمعقول، يجسدها التقدم والاشتراكية، وقد تجسدها باقي فصائل اليسار، إذا وجدت سبل التوحيد حولها. نحن على أتم الاستعداد للقيام، بذلك، وأعتقد أن المغرب في أمس الحاجة إلى مشروع يساري له مصداقية وله جاذبية، ونسعى إلى أن نكون طرفا أساسيا فيه.

س: الملاحظ أن الوحدة أصبح خطاب جميع مكونات اليسار، لكن في غياب مبادرة جدية. كيف تنظرون إلى تجاوز هذه الانتظارية؟

ج: التقدم والاشتراكية مستعد للجلوس إلى مائدة الحوار، على أساس استبعاد أي شروط لهذا الحوار، نحن مع نقاش مفتوح حول كيفية رفع تحديات اليوم والغد، بغض النظر عما قام به كل طرف في المرحلة السابقة، لأن الدخول في المحاسبة مقاربة خاطئة ولن تقدمنا في شيء.

إذن يجب الإقرار بالاختلاف في المقاربات، وتقييمات المرحلة الحالية، والبحث عن خيط ناظم في ما بيننا، وأن نقول للمواطنين، هذا مشروعنا الموحد، وسنتقدم في أفق الانتخابات، ربما كل من موقعه، ولكن بمشروع مشترك.

س: هل يمكن أن تشكل الانتخابات التشريعية المقبلة مناسبة لمثل هذه المبادرة؟

ج: أحسن مناسبة إلى ذلك، هي التوجه إلى هذه الانتخابات بهذه الصدمة الإيجابية، بالإعلان عن حركة يسارية، ولا أقول حزبا، بل دينامية يسارية، لأنه يتعين أن نكون متزنين وواقعيين، فلا نتوهم الوصول إلى التوحيد التنظيمي، فالمسألة صعبة اليوم على الأقل.

وكما فعلنا بالأمس في إطار الكتلة، كتجمع لخمسة أحزاب ثم أربعة، ثم ثلاثة، الكل احتفظ بهيآته، وتشكلت هيأة للتنسيق. فلنعمل بالمنهجية ذاتها، ولنجتهد في السير نحو هذا الأفق، بعض النظر عن اختلافات الأمس، والتركيز على تحديات اليوم والغد.

س: لوحظ في الأيام الأخيرة أن العدالة والتنمية مارس إقصاء في حق منتخبيكم في توزيع المهام داخل المجالس المنتخبة؟

ج: نحن على العموم، لا ننتظر هدايا من العدالة والتنمية، نحن في إطار اتفاق سياسي له مقوماته وأسسه، وعندما كنا بصدد تشكيل الحكومة، كان لي نقاش مع عبد الإله بنكيران، وقلت له إن دخول التقدم والاشتراكية إلى هذه التجربة مكلف جدا.

لكن على أي حال بإمكاننا أن نفسر ذلك مع مرور الزمن، وهذا ما يحدث، ففي البداية، كانت هناك أصوات عديدة تستغرب التوجه الذي صادق عليه التقدم والاشتراكية، اليوم كثير من الأصوات تقول إن الحزب كان على صواب، وقلت لبنكيران لا يمكن أن ندخل التجربة بحقيبتين وزاريتين، واشترطنا المشاركة بحجم معقول، وهذا ما منحنا أربع ثم خمس حقائب.

واليوم ما نطالب به في المجالس، هو حقنا فقط المشروع، والتعامل معنا على أساس ما نمثله، في بعض الحالات، مع الأسف، لم نصل إلى نتيجة، ليس لأن هناك توجها رسميا للحزب، لا ، فقد بذل عبد الإله بنكيران مجهودات، لتجاوز بعض المشاكل هنا أوهناك، وفي بعض الأحيان، توفقنا وفي أحيان أخرى، كان هناك تعنت وتشنج. هذه أمور تحدث، وحدثت حتى داخل أوساط الكتلة الديمقراطية، مع ثقافة الحزبين الكبيرين، فقد عشنا الهيمنة في السابق.

وأتوجه للمناسبة إلى مناضلي الحزب، لأقول لهم لا تنتظروا هبة من أحد، على الحزب أن يقوي مكانته في انتخابات 2016، لأنه لن يرحمنا أحد، وعلينا الدفاع عن موقعنا.

س: نختم الحوار بسؤال حول وضعية الحزب. هناك أصوات تصف نفسها بالحركة التصحيحية، ما جوهر الاختلافات، وما هو حجم هذه الأصوات؟

ج: بكل صدق شخصيا لا يزعجني الاختلاف، وسبق أن تعاملت معه عضوا داخل الحزب وعضوا في اللجنة المركزية وفي الديوان السياسي أو بصفتي أمينا عاما، ودائما كنت مدافعا عن المواقف التي أومن بها، ولكن أيضا منفتحا ومتجاوزا في بعض الأحيان.

لو كان هناك خلاف حقيقي لاعترفت لكم اليوم به، ليس هناك لا خلاف ولا حركة تصحيحية، والدليل على ذلك، هو أن كل التقارير التي يتقدم بها الديوان السياسي أمام اللجنة المركزية، يتم التصويت عليها بالإجماع، وآخر تقرير قبل شهر، صوت عليه بالإجماع، ويتضمن التقييم السياسي للمشاركة في الحكومة ونتائج الانتخابات. الأمر يتعلق بعنصر كثير التحرك في شبكات التواصل الاجتماعي، وهو مطرود من الحزب بسبب قيامه بحملات غير مقبولة وصلت إلى درجة القذف في حق الأشخاص وفي مؤسسات الحزب، ويستمر في التعنت، ولا نلتفت إليه، لأنه لم يعد في الحزب.

خارج ذلك، عرف الحزب بعد المؤتمر، بعض الاضطرابات، لكن كان هناك موقف الانفتاح والتعقل، من قبل الجميع ونستمر اليوم في حزب واحد موحد مع التباينات الممكنة. صحيح كان تموقعنا السياسي في الحكومة، يثير في البداية انتقادات عشرات المناضلين، لكن هذا الأمر، تم تجاوزه من قبل الجميع، بالإقناع والممارسة والإنصات، ولم نقم، كما فعلت بعض الأحزاب بتوجه عنيف انتهى بطرد المناضلين.

الصباح 29/12/2015