بين 11 يناير واليوم…

0
بقلم محتات الرقاص 
لا تخلو صدفة تزامن ذكرى11 يناير اليوم مع ما تعيشه مشاورات تشكيل الحكومة من إنحسار، من دلالة تستفزنا كلنا للتأمل في المآلات وفِي مستوى بعض طبقتنا السياسية بين الأمس واليوم.
قبل 73 سنة تقدم وطنيون بعريضة المطالبة بإستقلال البلاد، ومثلت حينها ثورة حقيقية وتحولا بارزا في وعي الحركة الوطنية وفِي إستراتيجيتها النضالية لتحرير الوطن، وهذا ما يحثنا على التفكير في السلوكات المشاعة اليوم، وفِي العقليات وفِي أنماط التفكير وأشكال الخطاب، لنخلص إلى أنه بالفعل تحتاج بلادنا إلى القامات السياسية الكبيرة وإلى الزعماء والقادة الذين لا يتيهون في الحسابات الصغيرة جدا، والذين يفكرون بحجم مساحة الوطن، والذين لا يقودون عمدا البلاد إلى… الحائط.
هذه الأيام، بلا شك، تتسارع الوقائع والأخبار على إيقاع الساعات، ما يجعل صعبا القبض عليها كلية لإنتاج كتابة أو موقف جديين، كما أن الحرص على إيجاد الحلول يمنعنا من إقتراف المزايدات التافهة أو ممارسة الكتابة المشعوذة، ولكن برز في اليومين الأخيرين صنف من الكتبة وحملة الأبواق حوالينا كما لو أنهم يدفعوننا جميعا لننام أو لنصاب بمرض فقدان الذاكرة والعجز عن التمييز، وحين نستيقض نصحو على تقيؤاتهم وحدها، ونهلل بها مباركين ومؤيدين ومسلمين.
إن من يروج مثلا لجملة واردة في بلاغ شهير تقول ب”العمل المشترك من أجل الوصول إلى تقوية وتعزيز التحالف الحكومي…”، ويعتبر أن ذلك”أضحى ضروريا لتشكيل إطار مريح، قادر على ضمان حسن سير مؤسسات الدولة…”، لا شك أنه بات أعمى ولا يميز في البديهيات، ذلك أن الإنتخابات أفرزت نتائج، والحزب المتصدر صار معروفا، وزعيمه عين لتشكيل الحكومة من طرف جلالة الملك، وهو وحده يجب أن يسعى لتكوين أغلبيته وأن يفتح المشاورات، وليس الهيئات الأخرى هي من تعرض خدماتها.
وعلى الأقل من يريد اليوم من الأحزاب أو السياسيين أن يتبهدل أو يفرط في كرامته وتاريخه أو أن ينتحر سياسيا حتى، فهذا شغله على كل حال وليتحمل مسؤوليته في ذلك، ولكن ليكف عن إعتبار إنحداره بطولة أو تذاكيا صبيانيا على الآخرين.
أما عندما لا يتردد بعض هؤلاء في التساؤل عما بقي لبنكيران بعد إعلان وقف المفاوضات، ويذكرون حزب التقدم والاشتراكية بالإسم، أو أن يذهب أحدهم حد إعتبار هذا الحزب هو المتسبب في البلوكاج، فهنا لا نجد سوى القول المغربي الدارج للجواب، وهو:” ماكاتحشموش”.
إن الخلاف الجوهري الواضح اليوم لا يوجد في أحجام التحالفات وأرقام الأغلبية، فهذه مجرد ظهور أريد الركوب عليها، وعلى كل حال في الأغلبيات السابقة لم تكن الفروق كبيرة جدا على ما يجري الحديث حوله اليوم، ولكن عمق الحديث يجب أن يكون في مدى إمتلاك المصداقية من لدن الجميع، وفِي معنى القرار الحزبي المستقل، وفِي معنى الإلتزامات والعهود و”لكلمة”، وفِي فهم المواقع والوضعيات والعلاقات، وفِي الإحترام المفروض أن يكون متبادلا بين الفرقاء.
بالفعل ما يصدر عن البعض، مواقف وتصريحات وسيناريوهات مشتهاة وتحليلات مخدومة، ليس سوى”بسالة”حقيقية، لا تكشف سوى عن عمى البصر والبصيرة، وما يقترفه بعض السياسيين الطارئين يعبر بوضوح أن هذه البلاد في حاجة حقا إلى قامات سياسية كبيرة، وإلى أن يقبض الجميع على العقل، وأن يتعزز التفكير الجماعي في مصلحة الوطن.