بقلم محتات الرقاص
لا خلاف على أن لدى ساكنة الحسيمة وأقاليم الريف مطالب إجتماعية وإقتصادية عادلة ومشروعة، ومن حقهم التعبير عنها والمطالبة بها.
لا خلاف أيضا أن هذه الإنتظارات هي نفسها المعبر عنها من لدن عموم شعبنا في مختلف جهات ومناطق المملكة.
لا خلاف ثالثا على عقم المعالجة الأمنية الأحادية للقضايا الإجتماعية والتنموية والديموقراطية، وعلى وجود أخطاء إرتكبتها السلطات الإدارية في التعاطي مع أحداث الريف.
ولا خلاف رابعا على أن تخصيص خطبة الجمعة في الحسيمة لموضوع الإحتجاجات المتواصلة هناك لم يكن قرارا ذكيا بالمرة أو مجديا…
ولكن في الآن ذاته وبالقوة نفسها، فإقتحام المسجد وتوقيف خطبة الجمعة والحيلولة دون إتمام الشعائر الدينية يعتبر سلوكا مرفوضا، وخطوة لم يسبق أن تجرأ عليها أي تيار سياسي أو فكري طيلة مسار الصراع السياسي الحاد الذي عاشته بلادنا من قبل.
من حق أي كان إلقاء الخطب وحشد الناس كما يشاء، ولكن ليتم ذلك خارج أماكن العبادة…
إن المرتكزات المميزة لخطنا السياسي والفكري، وما عرف دائما عن هذه المدرسة الإعلامية والسياسية الوطنية، تفرض علينا اليوم التذكير ببعض الثوابت والبديهيات:
* المسألة الإجتماعية وتحسين أوضاع شعبنا، وخصوصا الفئات الفقيرة والمتوسطة، هي محورية في منظومتنا المطلبية والترافعية العامة، وتكاد تكون من ضمن هويتنا الجينية، ومن ثم نعتبر اليوم أن الإقدام على خطوات عملية وملموسة على هذا المستوى، في الريف وفِي غير الريف، من أكثر المهمات إستعجالية.
* تحقيق التنمية الإجتماعية والإقتصادية وتلبية تطلعات شعبنا يجب أن يتم موازاة وضمن ذات المسار مع تعزيز الإصلاحات الديموقراطية والسياسية، وفِي إطار تمتين مقتضيات دولة القانون والمؤسسات وتطوير التعددية الحقيقية في البلاد…
* ما يجري في الحسيمة وحواليها ليس سوى نتاج ممارسات سلبية شابت الإستحقاقات الإنتخابية الأخيرة في المنطقة، وكانت قد أفضت إلى تكريس هيمنة تيار حزبي معروف، وجرى التضييق على قوى أخرى وإقصائها وإستهدافها، وهو ما أفرز اليوم فراغا مرعبا من حيث هيئات الوساطة والتأطير في الميدان، وبقي، بالتالي، العراء متسيدا.
* لكن، كل هذا لا يجيب أن يصيبنا بعمى النظر، فالنضال من أجل تغيير الواقع لا يكون بأفعال المغامرة والتهور والإنفرادية، وعبر إستيراد الأساليب والخلفيات من جغرافيات أخرى وإسقاطها على واقعنا المحلي.
نحن هنا نعيد لبال الكثيرين أننا بإستمرار رفضنا أعمال المغامرة والتطرف، والتاريخ دائما كان يؤكد صواب مواقفنا، ونعيد قولها هنا جهارا وعلانية أن أي نضال، مهما تدثر بالخطابات والمطالب الجميلة والمتناغمة مع المشاعر، لن ينجح حين يقفز على كل شيء، وحين يعتبر جميع القوى الأخرى مجرد”دكاكين سياسية” أو”عصابة”، وحين لا يرى من ينتشي بالحشود والهتاف سوى حدود أنفه.
* النضال الديموقراطي أيضا لا ينجح حين يجلس تحت خيام كل الخطابات مهما كانت متناقضة، وحين لا يرى مانعا أن ينط بين هذا الخطاب وذاك في ذات التجمع بلا أي إحساس بالتناقض.
* وفِي بدء الكلام ومنتهاه، النضال الديموقراطي سقفه هو المغرب ولا يمكن القبول بالقفز على الوطن ووحدته وإستقراره وأمنه.
* نعم، من مسؤولية السلطات العمومية المركزية إستنفار كل الجهد لتلبية المطالب الإجتماعية والتنموية لسكان أقاليم الريف، وذلك ضمن سياسة وطنية تستحضر محورية المسألة الإجتماعية اليوم في بلادنا.
* نعم، يجب مساءلة كل من ثبت تلاعبه بحقوق الناس ومصالحهم أو إغتنى على حسابها، وتقوية شروط تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد والريع، وتكريس التعددية الحقيقية.
* لكن، نعم أيضا لمساءلة من يقود الحراك الإحتجاجي وتقييم سلوكه العام ومنظومة خطابه ومطالبه وأشكال الترافع من أجلها.
ولهذا، معجم العصابة والدكاكين مرفوض، والخطاب المفتقر إلى الإحترام تجاه الأشخاص والمؤسسات مرفوض أيضا، وجعل المطالب والسقوف معلقة في السماء بلا عقل أو بعد نظر مرفوض كذلك، ثم السطو على الحراك الإجتماعي السلمي وتحويله إلى هلوسة دينية متطرفة ومنغلقة تستدعي صور وشعارات ومفردات جغرافيات عربية مشرقية بعيدة عنا يعتبر بدوره مرفوضا.
* إن النضال وتحقيق المطالب يتمان بالإعتماد على شعبنا، ومن خلال قوى ديموقراطية حقيقية، وعبر رؤية واضحة لا تقفز على الواقع والسياق، وتتطلع إلى السير إلى الأمام، وفِي نفس الوقت تصر على وحدة البلاد وإستقرارها وسيادتها وأمنها، وعلى المصلحة العليا للوطن والشعب.
* ما يجري في الحسيمة وحواليها يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى الإنصات إلى العقل، ودعوة العقلاء ليأخذوا الكلمة، ذلك أن التصعيد وركوب موجات المزايدة وخفة اللسان لن تخدم مصالح المنطقة وأهلنا هناك.