مساهمة عبد اللطيف أعمو في مناقشة مشروع قانون تنظيمي رقم 26.16 يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية
السيد الرئيس المحترم،
السيد الوزير المحترم،
السيدات والسادة المستشارون،
يشرفني باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية أن أتناول الكلمة في هذه الجلسة التشريعية مهنئا أعضاء مجلسنا هذا، وكل من ساهموا في إخراج هذا النص التنظيمي إلى حيز الوجود.
لقد مرت قرابة ثلاث سنوات على إيداع المشروع مجلس النواب، وأحيل على لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين يوم 13يونيو 2019.
واليوم نصادق على نص مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية ليعود إلى مجلس النواب في قراءة ثانية.
فشكرا للسيد وزير الثقافة والاتصال وشكرا للسيد رئيس وأعضاء لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية على الجهد المبذول.
هذه الجلسة المخصصة للتصويت وللمصادقة على مشروع قانون تنظيمي هام، جسد لوحده آمال المغاربة في إيجاد أرضية توافقية مستمدة من تأويل وترجمة المقتضيات الدستورية فيما يخص الحقوق اللغوية والثقافية، من تصدير الدستور إلى فصله الخامس أساسا.
كما أن النقاش الدائر حوله يرتكز على ما ورد في الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 الذي دعا صراحة إلى ” التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة”،
وجاء الخطاب الملكي ل 17 يونيو 2011 ليشير إلى دلالات دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة إلى جانب اللغة العربية، وذلك بالتأكيد على أن ” أساس التلاحم بين مكونات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية ”
وهو ذات الخطاب الذي ترجم دلالة دسترة اللغة الأمازيغية كتتويج لمسار نضالي طويل يرمي إلى رد الاعتبار للمكون اللغوي والثقافي والهوياتي الأمازيغي “كرصيد لجميع المغاربة; على أن يتم تفعيل ترسيمها ضمن مسار متدرج، بقانون تنظيمي، يحدد كيفيات إدماجها في التعليم، وفي القطاعات ذات الأولوية في الحياة العامة”.
إن المصادقة اليوم على مشروع قانون تنظيمي رقم 26.16 يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية هو خطوة نحو ترجمة العديد من التدابير والإجراءات الخاصة بترسيم اللغة الامازيغية لغة وطنية قائمة الذات، قوية الشخصية، كمكون أساسي للحمة الوطنية المتماسكة.
وهذه المحطة التشريعية هي تتويج لنقاش برلماني دام زهاء 23 شهرا بمجلس النواب، وصاحبه حوار وطني واسع بتعثراته وخيبات أمله وآماله وتخوفاته وطموحاته، وهو ما سجله طيلة هذه المدة مختلف الفاعلين في مجال الحقوق اللغوية والثقافية وفي تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية على وجه الخصوص، والذين عاينوا بأسف البطء المسجل في مسار إنتاج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
فلا بد من التذكير هنا بأن هذا المسار المتعثر للقانون التنظيمي المذكور سيكون له تأثير أكيد على عدد من القوانين ذات الصلة بالحقوق اللغوية والثقافية كالمسطرتين المدنية والجنائية، والقوانين المتعلقة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، أو في مختلف مجالات الوظيفية العمومية أو القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية … وغيرها
وقد تطرقنا غير ما مرة لظاهرة هدر الزمن التشريعي، وما له من تبعات على أداء المؤسسة التشريعية وعلى الحكامة المؤسساتية ككل. وكان علينا أن نتفادى تضييع الوقت بمنح الأولوية لهذا القانون التنظيمي على الأقل منذ حوالي 8 سنوات.
وقد سبق للخبيرة الأممية المستقلة السابقة في مجال الحقوق الثقافية، فريدة شهيد أن أوصت في تقرير بعثته إلى المغرب في شهر شتنبر 2011 ب” تعزيز المهارات اللغوية في صفوف الموظفين الحكوميين والإداريين الذين يقدمون خدمات عامة للناطقين بالأمازيغية، وفي صفوف القضاة والمحاميين، وضمان تدريب وتوفر مترجمين شفويين لدى المحاكم”.
و هي تدابير – كان من الممكن – لو اتخذت منذ مدة، أن تساهم في ربح الوقت باتخاذ تدابير استباقية لأجرأة الطابع الرسمي للأمازيغية في المرافق العمومية.
وبعد كل هذا التعثر، نحن نفتتح اليوم شوطا آخر من أجرأة هذه المقتضيات الدستورية التي ساهمت في بلورتها بجانب المؤسسة التشريعية والوزارة الوصية، المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية والفاعلون المدنيون والحقوقيون والمثقفون والمبدعون وغيرهم.
ولا شك أن الأمازيغية، لغة وثقافة وتراثا، قد تعرضت لتهميش ممنهج وطويل. وهي اليوم تستحق جبر الضرر الجماعي، بأخذ الأمور بجدية والقيام بالواجب للخروج بهذا الورش التشريعي المؤسس لما بعد تفعيل مقتضيات الدستور 2011 من عنق الزجاجة إلى واقع التداول اليومي.
إن ما وصلنا إليه اليوم، من خلال توافق أو شبه توافق، حول صيغة هذا القانون التنظيمي، هو وليد مسار طويل انطلق بنضالات الحركة الثقافية الأمازيغية لعقود، وتجسد اليوم في هذا المولود الجديد، الذي يحتاج إلى رعاية في العديد من جوانبه.
وقد لا يرتفع هذا المشروع إلى مستوى طموحات العديد من الهيئات المدنية والحقوقية، فمن حقها أن ترفع سقف المطالب إلى أعلى المطامح وأرقاها، لكننا نعتبر مع ذلك هذا التصويت اليوم في انتظار قراءة ثانية بمجلس النواب، وفي انتظار محطة المجلس الدستوري المرتقبة، أننا تخطينا مرحلة الجمود إلى مرحلة الحركة والفعل.
ولكي يكون هذا الفعل مؤسسا على مبادئ الوعي بالمسؤولية الوطنية والإحساس بحمولة الهوية الوطنية الجامعة، وتثمين الإرث الثقافي المادي واللآمادي، مع استحضار طموح تحقيق التوازن اللغوي في إطار الهندسة الترابية والجهوية للمملكة، وتعزيز التنوع المعزز للوحدة الوطنية، فلا بد من التأكيد على عناصر أساسية:
أن أمازيغية المغرب هي صمام الأمان، وهي ضمان اللحمة الوطنية القوية والمتينة ، وهي ركيزة التماسك الوطني في ظل الاختلاف والتعدد،
أن التموقع الجيوسياسي للمغرب على مستوى شمال إفريقيا ودول الساحل، سيمر لا محالة عبر تعزيز وتقوية مكانة الأمازيغية، لغة وثقافة وتراثا وإرثا حضاريا إنسانيا،
أن اهتمام الدولة المغربية بجاليتنا في الخارج، باستحضار عدد الناطقين بالأمازيغية، سيمر عبر الاهتمام بالجانب الثقافي والهوياتي للدياسبورا والنخبة المغربية عبر العالم، وضمنها أساسا الهوية الأمازيغية.
أن جعل الأمازيغية، رصيدا لجميع المغاربة، سيساهم على المستوى الدولي في التسويق الجيد والفعال لنموذج مغربي يجسد التعاطي مع التعدد والتنوع كقيمة كونية تؤهله للريادة كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة.
وواجبنا تجاه الأجيال الصاعدة، أن نمكن أبناء هذا الوطن من قيم التعدد والتنوع بعدم حصر وظيفة الأمازيغية في هدف التواصل لوحده، بل أن نحرص جميعا على أن تكون وظيفة الأمازيغية كاملة غير منقوصة، أي أن تشمل فوق وظيفة التواصل، وظائف التنمية، وتقوية اللحمة الوطنية، والمساهمة في تطوير المجتمع، وتأكيد الخصوصية الهوياتية الوطنية، وغير ذلك من الوظائف المرتبطة عادة باللغات الرسمية.
إن هذا المسار التشريعي – الذي لا يعتبر نهاية في حد ذاته – هو بداية مسار طويل وشاق، يتعين معه الابتعاد عن الإحالات الفضفاضة والتعابير الرنانة، وإحاطة الإلزامية والترسيم بشرط الإدماج الحقيقية وبالتدقيق الزمني، وربطه بضمانات تمويل متطلبات الأجرأة بشكل دقيق.
كما يتعين أجرأة مقتضيات التدرج في مراحل التفعيل وفق قراءة إيجابية محفزة وحيوية، وتكون فرصة للتجويد وليس أداة للتسويف والتجميد.
ويتعين كذلك التوفيق بين معيرة وتوحيد الأمازيغية مع الحفاظ على الخصوصيات الثقافية واللغوية للمناطق المختلفة، والقدرة على تدبير التنوع والتعدد اللسني داخل المنظومة الأمازيغية الموحدة والمعيارية.
فبقدر ما نحن متحمسون اليوم لإخراج هذا النص التنظيمي من زنزانة التشريع إلى حقل الممارسة الفعلية والاحتكاك بالواقع، بقدر ما نحن حريصون ويقظون، لمواصلة العطاء والجهد بهدف تقييمه وتقويمه، وتصحيح انحرافاته إن ثبتت مستقبلا، كي يكون النص الذي نحن اليوم بصدد التصويت عليه، مترجما بحق لطموحات المغاربة في ثقافة وهوية ولغات مشتركة تحتضن الجميع، وترفع من قدر الوطن وترتقي بالمواطن إلى أسمى درجات التفاعل الإيجابي مع ذاته ومع غيره.
عبد اللطيف أعمو