بقلم: محتات الرقاص
الإنتخابات البلدية الفرنسية التي جرى دورها الثاني الأحد الماضي، وإن كانت رهاناتها السياسية وأهميتها الإنتخابية العامة محدودة ولا تحدث تداعيات وطنية كبرى، فهي، مع ذلك، تبعث على الإهتمام والقراءة.
لقد جرت في خضم مسلسل الخروج من الحجر الصحي، ووسط كل ما نجم عن تفشي فيروس:”كوفيد-19″، وبذلك هي تحيلنا على درس مركزي يتعلق بإصرار فرنسا على الإختيار الديموقراطي المؤسساتي، أي برغم كل الظروف الصحية والمجتمعية الصعبة، وفِي ضل الإجراءات والتدابير الإحترازية جرى تنظيم انتخابات محلية لإستكمال المنظومة المؤسساتية العامة للبلديات.
طريق مواجهة الأزمات والشدائد يمر كذلك وأساسا عبر الإلتزام بالديموقراطية واحترام إرادة الشعب.صحيح أن هذا الإقتراع المحلي والتكميلي لم يشهد إقبالا مكثفا للناخبين، لكن يبقى ذلك طبيعيا في سياق الظروف المجتمعية العامة المعروفة، بل، وعند إجراء المقارنات قد نعتبره ايجابيا ومهما، ويمثل حرصا مجتمعيا على كسب التحدي الديموقراطي.
من جهة ثانية، ورغم أن نتائج هذا الدور الثاني من الإنتخابات البلدية لا يمكن إسقاطها لمعرفة توجهات الناخبين في الإستحقاقات الوطنية المقبلة، أو البناء عليها من الآن لتحديد مؤشرات الخارطة السياسية والإنتخابية الفرنسية في المستقبل القريب أو المتوسط، لكن الإختيارات التي نجمت عن هذا الإقتراع ستكون لها، مع ذلك، آثار وتداعيات في السياسات والبرامج، وعلى صعيد الحياة السياسية في المقبل من مراحل بفرنسا.
إن الفوز الهام وغير المسبوق الذي تحقق للخضر مثلا في عدد من البلديات والجهات، وبرغم ما قد يكون عزوف الناخبين ساهم في تحقيقه، فهو يكشف، في كل الأحوال، عن حضور قضايا ومشكلات البيئة في الواقع المجتمعي وفِي مزاج الشعوب الأوروبية.
أيضا تحالفات الخضر في عدد من المناطق مع قوى إشتراكية وشيوعية وغيرها، أتاح، بحسب كثير مراقبين، تحقيق هذه النتائج.ويعني هذا، أن تحالف المدافعين عن البيئة وأحزاب اليسار في عدد من البلديات ربما يمنح مدخلا مهما للمستقبل.وفي مقابل هذا، لم ينجح اليمين المتطرف في فرنسا في استغلال القلق المجتمعي وتداعيات مرحلة”كوفيد-19″، كما لم يستطع الجمهوريون، من جهتهم، الحصول على نتائج قوية برغم فوزهم بعدد من البلديات الصغيرة والمتوسطة، والأكثر إثارة للإهتمام الفشل الكبير الذي مني به حزب الرئيس الفرنسي، وكل هذا يعني أن المزاج السياسي والإنتخابي العام وسط المجتمع الفرنسي يشهد بداية التبدل، ويمكن للمرحلة السياسية القادمة أن تعرف تنامي وتطور هذه المؤشرات الأولية، وذلك على مستوى الحضور الأكبر لتيمة البيئة مثلا، ولتعزيز التحالفات بين الخضر وقوى اليسار ضمن أرضيات عمل مشتركة، ومن شأن هذه التبدلات في القضايا ذات الأولوية لمرحلة ما بعد:”كوفيد-19″وميولات المزاج السياسي العام للمجتمعات الأوروبية ووسط الناخبين، أن تؤدي إلى تغييرات في الخارطة الإنتخابية والسياسية الوطنية والعامة في فرنسا وفِي بلدان أوروبية أخرى.
الدرس الجوهري لنا نحن، هنا والآن، يبقى هو مركزية الخيار الديموقراطي، وضرورة خوض مسلسلات البناء والتنمية عبر الإصرار على تطوير الديموقراطية والتعددية وتطبيق مقتضيات الدستور واحترام المؤسسات، كما أن التغيير وإنجاح الإصلاحات وكسب رهانات السياسات والبرامج يكون من خلال قوى سياسية جدية وذات مصداقية، وعبر تحالفات واضحة وحقيقية، وانطلاقا من الإنصات الذكي لمطالب الناس والإنشغال بالقضايا والإنتظارات المعبر عنها.