رسائل لاغارد

0

أثارت كريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، أثناء زيارتها للمغرب، أفكارا وطروحات من المؤكد أن المسؤولين، وأيضا المحللين والمتابعين لشأننا الاقتصادي والسياسي، سيلتقطون إشاراتها، وسينكبون على دراستها…

وبالرغم من أن بعض ما صرحت به لاغارد يعتبر صالحا أيضا ليوجه لسياسات صندوق النقد الدولي طيلة تاريخ علاقاته مع بلادنا أو مع بقية بلدان العالم، ويجسد مسؤولية الصندوق كذلك في كثير أزمات وتجليات تخلف، فإنه من المهم تسجيل بعض ما عبرت عنه المعنية بالأمر لقراءته مغربيا.

إن المعطى المتعلق بالطبقة الوسطى وضعفها في المغرب وعدم استفادة كل فئات المجتمع من نتائج النمو، يبقى من بين أهم ما عبرت عنه مسؤولة صندوق النقد الدولي خلال مختلف لقاءاتها في الرباط، ولم يكن التعبير عن هذه الفكرة خاليا من تحذير يستحضر ما شهده الجوار العربي من هزات وتحولات.

لقد حذرت لاغارد من إضعاف الطبقة الوسطى لكونها المدعمة للاستهلاك والاستثمار، والتي تساهم في تقوية تماسك المجتمع، وفي النهوض بالمقاولات، ودعت إلى توسيع دائرة المستفيدين من ثمار النمو بشكل عادل، كما شددت على ضرورة خلق فرص الشغل، وعلى تطوير التعليم بما يتيح للشباب امتلاك الكفاءات التي ستمكنهم من الاندماج في النسيج المقاولاتي وخلق مقاولاتهم الخاصة…

كل هذه الأفكار جرى تداولها وطنيا لعشرات المرات، واليوم يلح عليها صندوق النقد الدولي ليس حبا في بلادنا، وإنما انسجاما مع مصالح المؤسسة المالية والقوى المهيمنة فيها، وأيضا بالنظر للصراعات الدولية والتسابق بين الهيئات المالية العالمية التي ترى أن بلادنا يمكن أن تكون واجهة انطلاق نحو المنطقتين العربية والإفريقية لمزيد دعم لمصالحها التوسعية والاقتصادية ولحساباتها الإستراتيجية، وهذه المعادلات بالذات صارت تفرض أن تطالب هذه المؤسسات بلدانا مثل المغرب بريع أقل في منظومتها الاقتصادية وبمحاربة الفساد والرشوة، وبإشعاع الشفافية والتخليق، بالإضافة إلى أهمية الارتكاز على الفعل المقاولاتي وتحفيز القطاع الخصوصي والمبادرة الحرة إلى جانب التطوير المستمر للطبقة الوسطى وتوسيع قاعدتها.

بالنسبة لبلادنا، وان كان من الممكن الاتفاق، ولو نظريا، مع لاغارد في بعض تشخيصاتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن المصلحة تفرض اليوم تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأيضا السياسية والحقوقية، وتقوية تراكماتها بما يستجيب لتطلعات شعبنا وواقع بلادنا أولا، وذلك بدل أن ينتج كل هذا عن ضغوط من مؤسسات مالية دولية تسعى بواسطة هذه الإصلاحات إلى حماية مصالحها هي أولا.

المديرة العامة لصندوق الدولي تركت لنا درسا معبرا لا يخلو من رمزية وإشارات قوية عندما أبدت إعجابها بالباحثة المغربية فاطمة المرنسي وقالت بأنها سعدت بلقائها، وأيضا لما استحضرت الكبير ابن رشد، ويمكننا هنا أن نستلهم من الإشارة حاجتنا إلى الإنصات إلى أصواتنا الثقافية والفكرية باستمرار، ثم أهمية أن يستثمر المسؤول السياسي المتن الأكاديمي والفكري، ويستعمله ليس فقط في الخطط التواصلية وإنما أساسا في التمثلات والخلفيات وفي صياغة مرافعات الدفاع عن الآراء والطروحات، أي أن تكون السياسة مقترنة بالمعرفة والثقافة والاطلاع.

بقلم محتات الرقاص