في حوار مع جريدة الصباح، أوعمو: نحن ضد كل نوازع الهيمنة والتحكم

0

القيادي في التقدم والاشتراكية قال إن الحكومة واجهت اختراقات كادت تعصف بها

ندد عبد اللطيف أوعمو، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بما أسماه كل نوازع الهيمنة والتحكم كيفما كان مصدرها أو أسس اعتمادها.

وأوضح أوعمو في حوار مع “الصباح” أن التقدم والاشتراكية يسعى من خلال الدعوة إلى عقلنة المشهد السياسي، إلى تطوير وإصلاح وتحسين المنظومة الانتخابية، مع الحرص على احترام مبادئ الدستور وتأويله الديمقراطي والسليم.

في ما يلي نص الحوار:

دعوتم إلى بلورة آليات لعقلنة المشهد السياسي. هل نفهم من هذا أنكم تتخوفون من هيمنة بعض الأحزاب؟

إن ما نقصده بعقلنة المشهد السياسي والحفاظ على التعددية هو التمسك بمقتضيات الدستور، الذي أكد في تصديره على “إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة”، وألح في فصله السابع على “المشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية”، إضافة إلى ما جاء في المادة الأولى منه.

هذا المعطى الدستوري هو الذي يؤطر للتطور السياسي في المغرب، حتى لا ينساق نحو نزعة ذات طابع هيمني أو تغولي أو استئصالي، وحتى لا يظن البعض بأن الديمقراطية تنحصر في صنع القانون، وتمريره لضمان مصالح ضيقة أو فتح الطريق لتحقيق الهيمنة والسيطرة أو الاستفراد بالقرار، كيفما كانت منطلقاته.

فإذا كانت الحكمة تقتضي “من باب التوازن والتعاون” مواكبة النمط الانتخابي، وتطوير منظومتنا الانتخابية لتكون معبرة عن إرادة الشعب، فإن ذلك يقتضي التحلي بواجب مراعاة التعددية، التي تعني إغناء وإثراء المشهد السياسي، والتي لها في المشهد المغربي طابع عام يشمل حقوق الأقليات، ويرتبط بالحقوق التي لها علاقة بالتعدد الثقافي واللغوي والمجالي، وكذلك بتلك المرتبطة بمقاربة النوع.

لذلك، فحزب التقدم والاشتراكية يسعى دائما إلى تطوير وإصلاح وتحسين المنظومة الانتخابية، وهو حريص في الوقت ذاته على احترام مبادئ الدستور والتأويل السليم والديمقراطي له. ومن هذا المنطلق، نندد دائما بكل نوازع الهيمنة والتحكم كيفما كان مصدرها أو أسس اعتمادها.

دعا حليفكم السابق في الكتلة، في مذكرة رفعت إلى الأحزاب، إلى إصلاح المنظومة الانتخابية، كيف تفاعلتم مع مضامينها، وهل هناك لقاء في الأفق مع قيادة الاتحاد الاشتراكي؟

أظن أنه يتعين، وقد أقول إنه من الواجب على كل حزب يواكب الحياة السياسية في البلاد أن يبادر إلى الإعلان عن رأيه، وحتى عن مقترحاته من أجل ضمان استمرار مشروع الإصلاح الشامل، ومن ضمنه إصلاح المنظومة الانتخابية.

وحزب التقدم والاشتراكية ما فتئ يعبر باستمرار عن آرائه ويبسط مقترحاته ومبادراته في كل ما يتعلق بإصلاح المنظومة الانتخابية، وذلك بغية رفع مستوى التمثيلية النسائية والشبابية في جميع المجالس المنتخبة. كما أنه اعتاد على قبول لقاءات مع كل حزب يرغب في ذلك لمناقشة المقترحات والتنسيق وتقريب وجهات النظر، كلما توفرت شروط ذلك، وهو ما جعل الحزب يتميز بروح الانفتاح والتخلي عن المنظور الضيق والفئوي في تعامله مع الآخرين، لأنه يؤمن بمبادئ الحوار المسؤول والهادئ، والذي يصب في آخر المطاف في مصلحة البلاد، وهذا ما جعله كذلك يدافع عن استقلاليته في الرأي والاختيار، دون أن يتخلى عن مرجعياته وثوابته.

فالقيم والطموح الاجتماعي والحقوق الكونية للإنسان وتوازن السلط هي إحدى الأسس التي تأسس عليها ميثاق الكتلة، وهي نفسها ضمن المثل الاشتراكية التي تحكم التقدم والاشتراكية. وهي قيم لا يمكن التفريط فيها، رغم كل صعوبات المرحلة، المتمثلة أساسا في الأزمة الاقتصادية التي تعبر العالم، وتزايد حاجيات الأمن المرتبط بظاهرة الإرهاب الداخلي والدولي والمشاكل المرتبطة بالتقلبات المناخية والهجرة واللجوء، وهي كلها من مخلفات الأزمة العامة التي يعيشها العالم، إضافة إلى صعوبات في ممارسة السلطة التي عرفتها الحكومة الحالية، خصوصا في سنواتها الأولى.

يسعى التقدم والاشتراكية إلى رفع تمثيلية النساء في البرلمان. ما هي المقترحات التي تنوون التقدم بها في المشاورات مع الحكومة؟

بالفعل، يسعى التقدم والاشتراكية دائما، كما قلت سلفا، إلى رفع تمثيلية النساء، ليس فقط في البرلمان، ولكن كذلك داخل المؤسسات المنتخبة، تجسيدا للمنحى الديمقراطي للدستور، وبالنظر إلى البعد السياسي للقضية النسائية وللعلاقة الوثيقة بين الديمقراطية والمساواة، وإيمانا منه بأن معركة تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة لا يمكن أن تتحقق فقط على المستوى السياسي، بل كذلك على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وأن للنساء في هاته المعركة مكانة يجب أن تكون متقدمة، وهو ما تسعى الحركات النسائية كذلك إلى تحقيقه.

وتهدف مقترحاتنا في هذا المجال أساسا إلى تحصين المكتسبات، وتثمين التراكمات عبر عقود من النضال من أجل المساواة والمناصفة. فيجب أن تعطي القوانين الانتخابية مكانة أقوى وأرفع للمرأة المغربية في المجال السياسي، في أفق المناصفة. كما يتعين اتخاذ تدابير في المجال الاقتصادي والاجتماعي لضمان احتلال المرأة لمراكز في مواقع القرار، وضمان المزيد من الحقوق الاجتماعية للمرأة.

ونسعى دوما بثبات إلى رفع تمثيلية النساء، بغية تحقيق المناصفة، ومحاربة الصورة النمطية لتوزيع الأدوار بين الجنسين من أجل تثبيت الديمقراطية الحقيقية والمساواة الفعلية، لأننا نقدر حجم القضية النسائية في بلادنا، وندعو دائما كل القوى التقدمية إلى التقاطع مع مطالبها التي تتموقع في جوهر المساواة والديمقراطية، وتنسيق الجهود في العمل النضالي الوحدوي من أجل تحقيق المناصفة الحقيقية.

دعا نبيل بنعبدالله إلى إحياء الكتلة، هل يمكن الرهان على هذا الإطار في ظل تباين آراء ومبادرات مكوناته الثلاثة؟

التقدم والاشتراكية من مؤسسي الكتلة الديمقراطية، وما زال يتمسك بأرضية تأسيسها، لأن المشروع الذي أقيمت من أجله ما زال لم يستكمل بعد أهدافه، وإن كان هذا التحالف الموضوعي يعرف خلال السنوات العشر الأخيرة تموجا ما بين مد وجزر، تتحكم فيه الظروف السياسية العامة في البلاد، منذ ما بعد تجربة حكومة التناوب، إلا أنها كتلة ظلت تحتفظ بإطارها وحيوية مشروعها وقابليتها للتنشيط وإعادة الحياة لهياكلها، وكذلك توسيع إطارها، ليشمل قوى أخرى أثبتت إمكانية الانسجام وتقوية صفوفها، إذا ما استوعبت بقية الأطراف ذلك، في إطار تكتل تاريخي يمكن أن يلعب دورا قويا في إنجاح وإتمام ترسيخ أهداف المرحلة الانتقالية التي يتطلبها ترسيخ المبادئ والقيم التي عززها دستور 2011، خصوصا أن المغرب في حاجة إلى تعميق الإصلاحات المجتمعية، وإحداث تحول نوعي بالموازاة مع الإصلاحات الكبرى التي انطلقت، وبالخصوص في مجال منظومة التربية والتكوين والاندماج الاجتماعي.

إن الرهان في الحقيقة هو رهان المرحلة الذي يكمن في تحقيق الاستقرار الدائم الذي يسمح بإنعاش وضخ الدماء في المشروع التنموي المتكافئ والعادل. ولا بد أن يكون للكتلة الديمقراطية، بمنظور متجدد وبتفاعل حيوي مع الفاعلين الآخرين، دور رائد لربح هذا الرهان.

تعرف الأغلبية الحكومية تصدعا، خاصة بين “بيجيدي” والتجمع. هل سيؤثر ذلك على التحالف، خاصة في الدفاع عن الحصيلة الحكومية؟

الكل يعرف المشاكل التي واجهتها حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، منذ انطلاقها والصعوبات المتعددة التي وجدتها أمامها والاختراقات والتفاعلات التي واجهتها، وكادت تعصف بها. كما أن الجميع يعرف الظروف التي انسحب فيها حزب الاستقلال من الحكومة وتعويضه بخليط من التقنقراط بلون التجمع الوطني للأحرار. فأقيم بذلك تعاقد ظرفي هدفه تجنب قلاقل واضطرابات قد تؤثر في أداء الجهاز التنفيذي، رغبة في خلق نوع من التعاون والائتلاف الخاص حول البرنامج الحكومي الذي زكاه البرلمان. وهذا التعهد محصور في العمل الحكومي بمكوناتها الأربعة، دون أن يصل إلى درجة التحالف الشمولي العام، وهذا ما ظهر خلال الانتخابات الجماعية ليوم 4 شتنبر الماضي، وأكدته الكثير من التصريحات.

فباستثناء الالتزام والوفاء التي تعد من قيم وشروط التحالف، والتي عبر عنها حزبا العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية من خلال مسارهما، منذ انطلاق الحكومة إلى الآن، فإن مواقف الأطراف الأخرى متسمة بكثير من التذبذب إلى درجة تثير الأسف والشفقة في بعض الأحيان، وهذا ما يجعل الحكومة مجبرة، بحكم طبيعتها، على التحمل والصبر إلى نهاية الولاية التشريعية، وملزمة موضوعيا بالدفاع عن حصيلتها، خصوصا أن هذه الحصيلة لا يستهان بها كما وكيفا، بالنظر إلى طبيعتها من جهة، وبالنظر إلى ظروف الولاية التشريعية بكاملها.

تعيش مجالس الجهات، بعد خمسة أشهر من انتخابها، حالة من الشلل، بسبب تأخر إصدار المراسيم التطبيقية. هل يتعلق الأمر كما ذهب إلى ذلك زعيم حزب معارض، بانعدام الثقة بين الرؤساء والولاة والعمال؟

إن انطلاق نظام الجهوية بشكله الجديد وبقوانينه وآلياته وأنظمته المالية والإدارية التي أحدثت تفعيلا لمقتضيات الدستور، والقانون التنظيمي المتعلق بالجهات لا يمكن أن يتم دفعة واحدة بمجرد إرساء الأجهزة المؤسساتية المنتخبة للجهات.

فهناك من جهة، النظام الجهوي السابق، والذي يشمل 16 جهة شرعت كلها في تنفيذ مخططاتها التنموية وأنجزت قسطا كبيرا من هذه المخططات، وهو ما يمكن القول معه إن هناك تجربة متراكمة قد تحققت، سواء لدى المنتخبين أو لدى الإدارة الترابية.

ومن جهة ثانية، فإن تقليص الجهات إلى 12 جهة ترابية، وما استتبع ذلك من تقطيع  جهوي جديد لا بد أن يحدث إشكاليات عديدة تستدعي الإسراع في معالجتها في إطار من التشاور والتعاون بين كل الجهات، والسلطات الحكومية.

ومن جهة ثالثة، فإن تنزيل النظام المالي الجديد للجهات، انطلاقا من مخصصات الميزانية العمومية للدولة، وكيفية توزيعها ووضع الأنظمة الإدارية لتدبير الجهات وكذلك الإعداد لوضع المخططات التنموية للجهات ومخططات إعداد التراب الجهوي وإقامة الآليات الأخرى ذات الطابع التنفيذي كالوكالات وتفعيل الصناديق المواكبة، كل ذلك يتطلب وقتا كافيا قد يكون طويلا نسبيا، وربما يتطلب جهازا رابطا بين المجالس الجهوية والسلطات الحكومية.

ومن جهة رابعة، فإن إصدار المراسيم التطبيقية، كان من المفروض أن تكون جاهزة قبل تنصيب الجهات، مع انطلاق العمل بقوانينها الجديدة، إلا أن الملاحظ هو وجود تأخر كبير، فنحن اليوم نستهلك الشهر الخامس، بعد انتخاب المجالس الجهوية ومصادقتها على ميزانيتها السنوية وتوزيع الفائض، ومع ذلك، لم تصدر بعد المراسيم التي تمكنها من الشروع الفعلي في عملها، مع العلم أن إعداد المخططات التنموية الجهوية ليس بالأمر الهين، بل سيتطلب عمليا وقتا طويلا.

وأظن أن هذه الأمور تدخل كلها ضمن الإكراهات الظرفية، ولا أعتقد أن لها صلة بالثقة بين رؤساء الجهات والولاة والعمال، بل يتعلق الأمر بمطلب تضافر جهود الجميع.

فعلى رؤساء الجهات ومجالسها من جهة تكثيف العمل من أجل توفير قدر كبير من الانسجام بين مكونات الجهة ترابيا، بين أقاليمها وهيآتها المحلية والجهوية من أجل إقرار ثقافة جهوية جديدة تعتمد على الانتماء والتشاور، وحشد الإمكانيات الذاتية وتفعيل الموارد المتاحة وتطويرها، والبحث عن موارد أخرى، اعتمادا على ما هو متوفر من مقومات ومن تراكمات التجربة السابقة، والتي تتطلب التفعيل والتنفيذ، استعدادا لما يمكن تطويره في إطار منظور صحيح للجهوية الموسعة المتقدمة.

ومن جهة ثانية، على السلطات الحكومية الإسراع بإصدار جميع المراسيم التطبيقية المتعلقة بالجهات، وبدون استثناء، حتى تتمكن أجهزة الجهة من تفعيل صلاحياتها واختصاصاتها في إطار التدبير الحر.

كيف تقرأ تراجع أحزاب اليسار عموما أمام تقدم ملحوظ لـ”البام” والعدالة والتنمية؟

صحيح، فالكل يلاحظ تراجع أحزاب اليسار أمام التقدم الملحوظ لتيارات مجتمعية أفرزت تصورات سياسية مختلفة، يغلب عليها الطابع الأخلاقي المحافظ.

وتراجع اليسار ليس ظاهرة محصورة في المغرب، بل هي ظاهرة عامة، رغم بعض الانتعاش حتى في الدول التي عرفت ثورات وحققت تقدما في مجال الحداثة والتقدم، إلا أنها تعيش في ظل نظام رأسمالي غير ضامن للمستقبل، بحكم ما تنتجه من تناقضات وإخفاقات اجتماعية تزداد خطورة وتأثرا بسبب طغيان الأنظمة المالية المهيمنة على الأنظمة والخيارات السياسية، والتي أصبح معها كل شيء خاضعا لقواعد السوق، ما يهدد القيم الإنسانية والحقوق البشرية. فكان من الطبيعي ظهور تيارات مناقضة بمختلف أشكالها. وما اليسار التقليدي إلا إحدى تجلياتها من منظوره القيمي المنفتح والحداثي، وفقا لمشروعه الديمقراطي الذي يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

فتشتت قوى اليسار وتناحرها حول تأويل مفاهيم إيديولوجية مؤطرة للعمل السياسي، انطلقا منذ ستينات القرن الماضي، وما زال هذا التشتت يتسع ويتعمق دون التجذر في المجتمع، تاركا المجال لفصائل أخرى من نزعات سياسية تناهض نظام العولمة الجديد من منطلق هوياتي، والتي تعتبر نفسها بديلا في تحقيق المجتمع الديمقراطي المنشود.

كما أن التفريط في التنظيمات القاعدية، الشبابية والنسائية والنقابية والمجتمعية، من الأسباب التي أدت إلى تعميق هذا التراجع في الساحة السياسية والانتخابية.

وأظن أن تخريب الذاكرة وطمسها تاريخيا يعد كذلك من الأسباب التي أدت إلى تراجع اليسار، بالنظر إلى ما كانت عليه الحركة اليسارية والتقدمية في الستينات والسبعينات، وإلى غاية مطلع تسعينات القرن العشرين، حيث حصل هذا التآكل طيلة هذه المدة دون الشروع في إعادة بناء هذه الذاكرة، رغم المحاولات التي تمت في إطار هيأة الإنصاف والمصالحة، ولم يتحقق لها استكمال مسارها حتى الآن.

كل هذه الأسباب يمكن اعتبارها ضمن أسباب التراجع الذي أشرت إليه، ويمكن الإشارة كذلك إلى تراجع دور المثقفين، باعتبار أن المثقف هو الدعامة الخلفية للمجتمع في التوجيه والإعداد، حيث نلاحظ حصول احتباس وانسداد في الإنتاج الفكري، امتد لأكثر من عقدين، على عكس ما كان عليه الأمر سابقا، مما فتح المجال رحبا لتيارات تنشر أفكار التضليل والسطحية والتيئيس.

أجرى الحوار: برحو بوزياني