حوار الأمين العام للحزب مع أسبوعية “الأيام”

في أول خروج له بعد انسحاب حزبه من الحكومة، نبيل بنعبد الله ل ” الأيام “

(أدينا الثمن على مواقفنا وعلى استمرارنا في حكومة العثماني)

بعد 21 سنة من المشاركة الحكومية، أثار قرار انسحاب حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة المعدلة لسعد الدين العثماني الكثير من الجدل في المشهد السياسي، وإذا كانت المشاركة السياسية لجل مكونات الكتلة الديمقراطية، وضمنها حزب التقدم والاشتراكية، لم تثر أي جدل سواء في حكومة اليوسفي أو إدريس جطو أو عباس الفاسي بحكم التقارب الإيديولوجي لأعمدة الأغلبية السياسية في هذه الحكومات والطرف السياسي العام، فإن دخول الحزب الشيوعي السابق لحكومة الإسلاميين مع عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني فجر أسئلة ليس فقط في صفوف اليسار، بل أيضا بين رفاق بنعبد الله ذاتهم، هل كانت المشاركة ذكاء سياسيا لحزب حضر في الحكومة أكبر من حجمه السياسي والتنظيمي؟  ماهي المكاسب التي جناها حزب التقدم والاشتراكية لا في دعم المسار الديمقراطي ولا في الإشعاع الحزبي؟ هل جاء قرار الانسحاب في الوقت المناسب وأحدث الوقع المرجو،أم أنه أخطأ التوقيت؟ ولو أنه جاء بعد الزلزال الملكي  وإقالة نبيل بنعبد الله والحسين الوردي عام 2017، هل كان صناع القرار سيتفهمون قرار الانسحاب بغير كونه ردة فعل شخصية وتفتقد الاحترام اللازم لأكبر سلطة في البلد أم كان الأمر سيكون له وقع أقوى؟ ولم انتظر نبيل بنعبد الله ورفاقه حتى هذا الخريف في كل شيء وهم الذين تعرضوا لضربات قاصمة كان أذلها إقالة الوزيرة شرفات أفيلال؟ الآن بعد أزيد من 21 سنة من المشاركة في الحكومة هل سيكون التنظيم الحزبي ذاته على ماكان عليه أم تولد هناك نوع من الكسل والخمول ونمت في تنظيمات حزب علي يعته نخب جديدة تفكر في مكاسب الربح الحكومي وفي الارتقاء الاجتماعي، ماردود فعلها؟ ألن تشكل عناصر مقاومة في هذا التحول من الحكومة إلى المعارضة؟

في هذا الحوار الذي تنفرد به الأيام مع الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، يبسط نبيل بنعبد الله أجوبته بالكثير من الوضوح والنقد الذاتي، ولمحكمة القراء واسع النظر.

حاورته زينب مركز

هل دفع نبيل بنعبد الله وحزب التقدم والاشتراكية ثمن الزواج الكاثوليكي مع ابن كيران؟

جميل هذا السؤال.. وهو في الواقع يتيح لي إمكانية أن أؤكد بأنه ليس هناك مجال للندم بالنسبة لنا في الحزب على المواقف التي اتخذناها، عكس ذلك نحن نعتبر أن كل ما تميزنا به من مواقف في هذه الصيرورة التاريخية التي تعود إلى ماقبل فوز العدالة والتنمية بالانتخابات، وبدء من الموقف الذي جعلنا نشارك في الحكومة سنة 1998 والذي كان بدوره موضع جدل داخل الحزب، وأساسا مع بعض الفصائل المنتمية لليسار أو بعض زعماء الرأي في المجتمع، واعتبرنا أن موقع حزب التقدم والاشتراكية يفرض أن يكون إلى جانب أي إمكانية لتقدم مسار الإصلاح، فكرنا بهذه الطريقة مع عبد الرحمان اليوسفي، ومع ادريس جطو وبنفس الطريقة مع عباس الفاسي، وجاء الربيع العربي، وجاء الدستور الجديد، وجاء خطاب مارس 2011 ، وقلنا مع من يمكن أن يتقدم مسار الإصلاح الذي طالب به الشعب في الشوارع في إطار حركة 20 فبراير، ووجدنا أنه لا مناص من أن يكون لنا تحالف مع  العدالة والتنمية، وكان بودنا لو  دخلت إلى جانب العدالة والتنمية كل مكونات الكتلة الديمقراطية، لإعطاء قوة خاصة لهذه الحكومة، لكن مع الأسف تخلف فصيل أساسي في إطار هذه الحكومة …..

تقصد حزب الاتحاد الاشتراكي و حكومة ابن كيران؟

للأسف أنه رفض عرضا سخيا، ثم جاء في ظروف سلبية جدا وقبل بأقل مما رفضه في سنة 2011 لأسباب سياسوية وأضاع على قوى الإصلاح فرصة أساسية لتقدم مسار التغيير … وبالتالي بالنسبة لنا عندما جاءت حكومة العثماني ولو في ظروف لم تكن واضحة بعد مرحلة البلوكاج،قلنا سنواصل العمل، سنشارك فيها عسى أن يستمر مسار الإصلاح … مع الأسف تبين بسرعة أن الأمر لم يكن كما تمنينا.

لكن لم تنقروا على الطاولة للتعبير عن غضبكم أو عدم رضاكم، لستم مجرد عجلة احتياط، فأنتم في نهاية المطاف مكون من الأغلبية الحكومية لكن مع ذلك بدوتم كما لو أنكم مشاركون في مؤامرة الصمت حول عدم تقدم الإصلاح ؟

على عكس من ذلك، طالبنا في كل لقاءاتنا بإعطاء دفعة جديدة للحكومة ونادينا بنفس ديمقراطي جديد،وجعلنا من هذا النفس الديمقراطي شعارا لمؤتمرنا الوطني السنة الماضية 2018 وكانت هناك خطب ملكية كثيرة تقول بضرورة تغيير المسار، آخرها خطاب العرش، وبالتالي أقدمنا على هذا القرار لأنه لم تعد هناك بالنسبة لنا أي إمكانية حقيقية لمواصلة التواجد داخل الحكومة ..

هل تحس أنكم أديتم الثمن بسبب استمراركم في حكومة العثماني؟

أكيد أدينا الثمن… لأن المواقف التي اتخذناها لم تكن مواقف سهلة وربما أنه كان بالإمكان أن نصطف في اصطفاف آخر. لكن دعيني أقول لك، أنه لو قمنا بذلك مثلا، لو رفضنا سنة 2011 واخترنا أن نكون ضمن فصاءل المعارضة، واستمررنا في ذلك سنة 2016، أعتقد أن المكانة التي احتلها حزب التقدم والاشتراكية والدور الذي كان له، والاهتمام البالغ الذي كان إزاءه من قبل الإعلام والرأي العام الوطني، كل ذلك كان سيكون غائبا تماما، وربما أننا كنا سنكون في موقع صغير جدا، ربما لا يلتفت لنا أحد، ولذلك أعتقد أن مسارنا نعتز به بما حمله من ضربات تلقيناها، لكم في النهاية، أعتقد أن صورة حزب التقدم والاشتراكية تظل صورة حزب مسؤول، حزب مستقل يحظى باحترام   وتقدير حتى من قبل من لا يتفق معه.

وهل تشعرون أن العثماني نهج معكم سلوك صديق عدوي أو غريمي عدو لي أيضا؟

هل العثماني كان بإمكانه أن يفعل غير ذلك؟ الله أعلم … على أي حال كان بالإمكان ألا يكون هذا التحالف أو ألا تكون هذه المقاربة المشتركة ولو على المستوى اللفظي فقط، أو على مستوى التأكيدات المبدئية، الخلاف أو الاختلاف الموجود مع التجربة السابقة مع عبد الاله ابن كيران هو أن مكانة حزب التقدم والاشتراكية كانت أقوى سياسيا، التشاور مع حزب التقدم والاشتراكية كان دائما، الوزن الذي يحتله الحزب في الحكومة كان متميزا، وكنا نشعر بأنه حتى إذا تحملنا بعض الضربات عن التضحية التي كانت لنا، فعلى الأقل، هناك مكافأة على مستوى قدرتنا على التأثير على المسار العام للإصلاح، هذا الأمر شعرنا معه تدريجيا بأن هناك تراجعا على كافة المستويات سواء تعلق الأمر بالقدرة على حمل مشروع الإصلاح أو تعلق بالتناغم والتلاحم الضروريين بين مكونات الأغلبية، التي شهدت تطاحنات مستمرة، أو تعلق بالحمولة السياسية التي يجب أن تعطى لهذه الحكومة، وفي النهاية في مايتعلق بوزن الحزب  ويتواجد في الحكومة.

هل رفضتم الاستمرار في الحكومة بسبب بؤس الحقيبة المقترحة عليكم أم لهزالة العدد حقيبة واحدة في التعديل الأخير؟

بعدما تحملنا ضربة أولى وضربة ثانية مع حكومة العثماني، جاءنا هذا التعديل ليقال لنا بالإضافة إلى عدم اتفاقنا مع المنطلقات السياسية إننا سنحتل موقعا صغيرا جدا لا يليق بالحزب، ولا يمكن من خلاله أن يكون لنا اي تأثير، في كل ذلك نعتبر مع التقدير والاحترام لإخواننا في العدالة والتنمية أنه كان هناك واجب التعامل بشكل مختلف مع حزب التقدم والاشتراكية، أحب من أحب وكره من كره، لأنه  لا يمكن المقاربة بين تعامل الصدق والوفاء والالتزام بالكلمة كما كان الشأن بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية وممارسات أخرى كانت كلها ممارسات كيدية ومرتبطة بمعاكسة التوجه وممارسات فيها حسابات سياسوية وغير ذلك، فعلى أي حال، هذا ما جعلنا نعتبر بأنه ليس هناك مجال لمواصلة هذا التوجه.

هل فتح معكم رئيس الحكومة نقاشا حول الهيكلة الحكومية ومقترحاتكم حولها، أم فقط اقترح عليكم حقيبة وزارة الشباب والرياضة؟

الواقع أنه منذ البداية، أنا اخبرت بأن هناك سعيا إلى تعديل الحكومة في بداية شهر يوليوز، وعندما شرعنا في مناقشة الموضوع في بداية شهر شتنبر والتقيت مع السيد رئيس الحكومة أربع مرات، كنت دائما اقول نحن لا نريد مناقشة هيكلة وهندسة حكومية وأعداد مقاعد، نحن ننطلق من النداءات الملكية المختلفة، وآخرها خطاب العرش، الداعية صراحة إلى تغيير التوجه الاقتصادي والاجتماعي، وننطلق من نداءاتنا إلى نفس ديمقراطي جديد يطال المجال السياسي والديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي، نريد أن نستمع إلى خطاب سياسي سيوجه للشعب المغربي للقول إن هذه الحكومة التي في طور التشكيل ستكون لها سياسة عمومية مختلفة، بغية الوصول إلى المزيد من التنمية ومزيدا من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكانت دائما اللقاءات تعود بنا إلى عدم مناقشة ذلك، وإلى السعي لمناقشة هندسة وتقليص وكفاءات وغير ذلك من الأمور، بما في ذلك أخر يوم، عشية اتخاذ قرار المكتب السياسي للحزب، يوم فاتح أكتوبر إلى حدود يوم 30 شتنبر مساء حيث التقيت برئيس الحكومة وساد نفس الخطاب، فتأكدت آنذاك بأنه عمليا نحن لا ننصت لبعضنا، أنا لست هنا من أجل مناقشة هذه الاعتبارات الرقمية، بل أنا هنا لمناقشة مداخيل سياسية، وإن غابت هذه المداخيل السياسية، فلا يمكننا أن نواصل المشوار.

ألا تحسون أن الانسحاب جاء متأخرا كما قال مولاي إسماعيل العلوي؟ هل أخطأتم التقدير أم التوقيت؟

الواقع أنه كان هناك نقاش داخلي وسط الحزب، اشتد هذا النقاش وبلغ مداه تدريجيا عندما  تم إعفاء الأمين العام للحزب، ثم الحسين الوردي من المسؤوليات الحكومية، مما اعتبره المكتب السياسي آنذاك غير مستحق في حقهما، وبعد ذلك تعميق الأمر عند إعفاء شرفات أفيلال، وفي المرحلة الأولى على اي حال، بالنظر إلى أنني لم أترك الفرصة إلي كان كي يذهب بعيدا في مسالة المغادرة، لأنني كنت أشعر بأنني سوف “أشخصن” الأمر، وبأن الأمين العام تم التعامل معه سلبا، وبالتالي هو مستعد لقلب الطاولة كما يقال وللمغادرة، عكس ذلك، كنت أدافع عن ضرورة ألا تخرج هذه الصورة ابدا، وأن نعطي البرهان بأننا حزب يسمو عن الاعتبارات الشخصية. في ما يتعلق بشرفات أفيلال، اعترف لكم بأنه آنذاك كنت من الذين يعتبرون أن علينا أن نغادر الحكومة، لكن المكتب السياسي، وحتى اللجنة المركزية للحزب، على مستويات مختلفة، كان منسقا حول هذا الموضوع وكان من واجب أن آخذ بعين الاعتبار عنصر وحدة الحزب، فلذلك رغم موقفي الشخصي الذي كان نفس موقف رفيقنا إسماعيل العلوي، دافعت داخل اللجنة المركزية عن ضرورة أن نواصل العمل داخل الحكومة، وناديت الجميع إلى الوحدة، واتخذنا هذا الموقف بشبه إجماع، لكن كان هناك تردد كبير، وأكدنا على ذلك في قرارنا بأنه لنا عودة، لأنه إذا لم تكن الحكومة في الموعد بالنسبة لنداءاتنا الداعية لنفس ديمقراطي جديد، وإلى ضخ قوة جديدة في مسار الإصلاح، فستكون لنا عودة لمناقشة الاستمرار في الحكومة من عدمه.. وجاءت هذه الفرصة بمسألة التعديل التي طرحت أثناء هذا الصيف واتخذنا هذا الموقف.

الأمر أشبه بحمل سيف ديموقليطس على رقبة رئيس الحكومة لأن قوة قرار الانسحاب من الحكومة ليس في بعده المبدئي فقط بل في حسن اختيار التوقيت، وإلا فإنكم قد تكونون في وضع من يطلق مدفعين على نملة؟

أعتقد شخصياً أنه كان من الأفضل أن نتخذ هذا الموقف عند إعفاء رفيقتنا شرفات أفيلال، وكان سيكون له وقع أكبر ربما، لكن على أي حال، الاعتبار الوحيد لم يكن هو الدخول أو الاستمرار في الحكومة من عدمه، بل كان هناك اعتبار مرتبط بوحدة الصف وبضرورة إقناع كافة الصفوف الحزبية بذلك، وصلنا لدرجة كبيرة إلى هذه النتيجة في هذه المرحلة الأخيرة.

انسحب أنس الدكالي من القيادة، واعتبر قرار انسحاب الحزب من الحكومة مجرد رد انفعالي على ما سبق أن حدث غداة الزلزال الملكي، كيف تردون؟

لو كان هذا صحيحاً لغادرنا مباشرة بعد ما سمي بالزلزال، وأنا فسرت لكم قبل حين بأن لا مجال لذلك، وأعتقد أنه ربما هناك اختلاف في التربية، هناك من دخل هذا الحزب لاعتبارات مرتبطة بمشروع مجتمعي، بمبادئ وقيم، وهناك من يفكر فقط في اعتبارات شخصية، وبالتالي يطلق نفس هذه الاعتبارات على الآخرين، وهو غير قادر على فهم أن هناك سمواً في السياسة، مع الأسف. لأن الأمر كان له تأثيرات سلبية على مستوى شخصي، في ما يتعلق بأنس الدكالي، وكانت له تأثيرات كنا في غنى عنها بالنسبة للحزب عموماً، ولذلك لا ألتفت اليوم لما يمكن أن يقوله لأنه بالنظر لهذا التصرف أو كيفية ممارسته لا ألتفت اليوم أبداً إلى من يتصرف بهذه الطريقة وما يمكن أن يصدر عنه من مواقف.

تعتقدون في قرارة أنفسكم أنه منذ إعفاء ابن كيران بعد مرحلة البلوكاج، تعرض حزبكم إلى ما يشبه عملية تهميش ممنهجة؟ ما السبب في هذا الأمر؟

كانت هناك فعلاً ضربات وجهت إلينا، وهي ناتجة عن مواقفنا وعن ممارستنا لاستقلالية قرارنا، وعن صمودنا، ربما اننا. كما يقول البعض. بالغنا بعض الشيء، لكن على أي حال، في المضمون وفي العمق، هذه المواقف جعلتنا نحظى باحترام وتقدير كبيرين في أوساط مختلفة من المجتمع، وكنا سنحصد هذا التقدير والاحترام في انتخابات 2016، لو لم يتلق مجدداً الحزب في هذه الفترة ضربة أخرى، جعلته يفقد ما يناهز 25 مقعداً إضافياً بالنسبة لما حصل عليه، أقول ذلك لكوننا سنة 2015 حصدنا ما يناهز نصف مليون صوت، كيف يمكن لهذا الحزب الذي ظل في نفس المواقف صامداً وظل على نفس الموقع، أن يعود بقدرة قادر هكذا لـ 200 ألف صوت، في ظرف سنة واحدة، والحال أنه لم يقم بـأي خطأ أو أي شيء يمكن أن يفقده التعاطف الذي كان له في أوساط مختلفة من المجتمع؟

تقصدون أنه تم تزوير الانتخابات ضدكم، لفائدة من؟

نحن نعلم بأن ما مارسناه كان من منطلق صحيح وأننا أدينا الثمن، فهناك من كان يريد بأي شكل كان أن يهمشنا وهناك من كان يسعى إلى أن يسكت هذا الصوت، وكنا نحس بذلك في اجتماعات أغلبية سعد الدين العثماني باستمرار…

(مقاطعة) من هو هذا المبني للمجهول الذي استهدفكم، إنك مع الصدق والصراحة، لنسم الأشياء بمسمياتها؟

كان لنا شعور حقيقي بأن هناك تحالف الأربعة من جهة  والعدالة والتنمية من جهة أخرى، وكنا نحن في موقف صعب، بحيث إنه كانيصعب علينا أكثر فأكثر أن نواصل هذا المسار، لأن هناك من كان يسعى دائماً إلى عرقلة كل ما يمكن أن نقوم به على مستويات مختلفة، والحال أنه في بعض الحالات جاءتنا ضربات أساساً في حالة شرفات أفيلال من إخواننا في العدالة والتنمية، وبالتالي أصبح صعباً علينا أن نتحمل، فعلاً كان هناك هذا السعي… لكن يمكن أن أقول لك على أية حال، حزب التقدم والاشتراكية يحظى اليوم باحترام وبتقدير وبشعبية وبسمعة لم تكن له أبداً من قبل، لم يصل في لحظة تاريخية معينة حزب التقدم والاشتراكية إلى هذه الشعبية، إلى هذا التواجد، إلى هذا الامتداد على مستوى كافة مناطق البلاد، وكافة الشرائح الشعبية، وهذا الأمر يعود إلى مواقفه.. أن يسعى البعض إلى تقزيمنا له ذلك، لكن الواقع لا يرتفع، يظل حزب التقدم والاشتراكية اليوم حزباً موجوداً، محترماً ومقدراً من قبل مختلف فصائل الشعب، وكما قلنا عند مغادرتنا نحن ساهمنا منذ البداية في دعم المشروع الإصلاحي الذي يحمله صاحب الجلالة…

لكن ماذا بعد الخروج من الحكومة؟

سنستمر في ذلك رغم موقف المعارضة، سنساهم بكل قوانا في أن نعطي للمشروع الديمقراطي في المغرب معنى، وأن نحقق مكتسبات مختلفة ولو من موقع المعارضة، لن نحيد عن ذلك.. وبالطبع نحن نعلم كما وجدنا في السابق بعض الخصوم وبعض العراقيل، حتى من حلفائنا، الأمر ليس مرتبطاً بالفترة الأخيرة وبالعشر سنوات الأخيرة، منذ فجر الاستقلال ونحن نتلقى الضربات، وفي بعض الحالات حتى من عند الحلفاء، ولا أريد أن أعود لكل هذه الحقب التاريخية.. وبالتالي نحن متعودون على ذلك وسنواصل المسار، وسنبحث دائماً عن تقريب المسافة بيننا وبين من يتقاسم معنا المشروع الديمقراطي وهكذا الأيام.

هذا ما ننوي القيام به في المعارضة

ما القيمة المضافة التي سيستفيد منها حزب التقدم والاشتراكية في المعارضة بعد طول مشاركته في الحكومة منذ 1998؟

أعتقد أنه خلافاً لما يعتقده البعض، خاصة في صفوف بعض منتخبينا، المعارضة من شأنها أن تعطي للحزب نفساً جديداً، شريطة أن نشتغل، وأن نطور ما نسميه بخطة تجذر، وهي خطة حزبية داخلية تسعى إلى التغلغل في مختلف الأوساط والفضاءات، في مختلف المجالات، بأشكال ذكية متميزة تتأقلم مع الواقع المتجدد المغربي، وهذه الخطة عملنا على اعتمادها وتبنيها غداة انتخابات 2016، واليوم نسعى إلى أن تتبلور، عبر الموقع الذي نحتله اليوم، هناك أوساط عديدة خاصة ما يمكن أن نسميه بشعب اليسار، كثير من الأوساط تبحث عن قوى يسارية واضحة، البعض منهم كان ينتقدنا: نحن نقدركم، لكن تحالفكم مع العدالة والتنمية يضبب بعض الشيء الصورة في هذه الأوساط أعتقد أن هناك مجالاً لحزب التقدم والاشتراكية من أجل أن يطور خطابه، خطاب مبني على مبادئ اليسار، على مسألة الحريات الجماعية والفردية، خطاب ينشد الانفتاح في مواجهة التعصب والمحافظة، خطاب يقومعلى الشفافية ودولة الحق والقانون، ليس فقط في المجال السياسي لكن كذلك في المجال الاقتصادي من خلال محاربة الرشوة والفساد، عندما تكون في المعارضة يسهل أكثر هذا الخطاب من هذا النوع وكنا موجودين في الحكومة، فالكثير من الناس كانوا يقولون كيف لكم أن تقولوا ذلك وأنتم في الحكومة، يعني في موقع القرار؟

اليوم بإمكاننا أن نكون تياراً موحداً يعيد لساحة النضال والكفاح عددا من الفعاليات التي تنتظر ذلك، وبالتالي أنا مقتنع بأن هناك فضاءً واسعاً للحزب من أجل أن تكون له قوة أكبر، ثم بالطبع من دون شك أن التعثرات التي ستعرفها هذه الحكومة من خلال عدم انسجامها، والدليل على ذلك أنه غداة الخطاب الملكي شاهدنا مشادة كلامية مجدداً بين سعد الدين العثماني وعزيز أخنوش، وكما قلت لسعد الدين العثماني في آخر لقاء معه وفي تقريري أمام اللجنة المركزية لن تنتهي هذه المشادة الكلامية وهذه التطاحنات، لأن الكل يفكر في 2021، فبالتالي وضعية هذه الحكومة ربما أنها ستسهل علينا هذه المأمورية، وستجعلنا أكثر فأكثر نتوفر على عناصر لتقوية خطاب المعارضة، لذلك فأنا أعتبر في نهاية المطاف وفي أفق 2021، أنه بإمكان الحزب أن يحتل مواقع جديدة، لكن شريطة دائماً أن يشتغل، أن تتعبأ كافة الطاقات الحزبية، لأنه تكون عندنا من خلال المشاركة لمدة أزيد من 21 سنة، نوع من الكسل والخمول، نوع من الاعتقاد بأنه من الحكومة يمكن أن نحقق كل شيء، وبالتالي تلاشت بعض الشيء التعبئة الداخلية، تراجع الحس النضالي، عرفنا نوعاً من التقوقع على ذاتنا، وعدم الذهاب نحو الجماهير الشعبية في مختلف أوساطها لتأطيرها ولقيادة مسار التغيير، علينا أن نعود إلى ذلك، أنا متفائل جداً حول المكانة التي يمكن أن يحتلها حزب التقدم والاشتراكية في المستقبل.

من الأقرب إليكم في المعارضة اليوم والذي يمكن أن تنفتحوا عليه: حزب الاستقلال أم باقي مكونات اليسار؟

بالطبع، بشكل طبيعي حزب الاستقلال، لأنه تربطنا مع هذا الحزب علاقة تقدير واحترام، ومواقف مشتركة حول العديد من القضايا بالدرجة الأولى، بالطبع سنستمر في مد اليد لباقي فصائل اليسار، على أساس أن تكون المقاربة مبنية على مستقبل وليس على اجترار خلافات الماضي، وترى ما يحدث الآن في وسط حزب الأصالة والمعاصرة من تطورات، وعندما تتوضح الأمور سوف نرى هل هناك عناصر تمكننا من أن نشتغل مع الإفرازات التي ستكون على مستوى هذا الحزب. لكن عملنا لن يقتصر على الأحزاب، هناك طاقات في المجتمع، هناك حركة اجتماعية، هناك عدد من الفعاليات التي تشتغل حول مواضيع مختلفة، حول المساواة بين الرجل والمرأة، حول الحريات الفردية، حول حقوق الإنسان والحريات الجماعية، حول شفافية الاقتصاد الوطني، حول العدالة الاجتماعية والمجالية، حول الأوضاع في الأرياف والجبال، حول قضايا ترتبط بفئات مهنية معينة، حول محاربة الإقصاء والتهميش في ضواحي المدن…

هناك ملفات كثيرة يمكن للحزب أن يشتغل عليها وليس بالضرورة أن يكون لذلك نكهة سياسية أو حزبية مباشرة. وهذا ما سنسعى أن نتوجه إليه. أريد أن أقول لكم على هذا المستوى بأننا سنعمل على فتح نقاش داخلي لإفراز كل الأشكال والأساليب النضالية والواجهات النضالية التي سيسعى الحزب إلى بلورتها أو إلى احتلالها.

نمر بما يشبه مرحلة فراغ سياسي مهول، انتقده بشدة رئيس الدولة في أكثر من خطاب، كيف تقرأون المشهد السياسي اليوم؟

سبق لنا في الحزب، خاصة قبل اعتمادنا شعار النفس الديمقراطي الجديد، وندائنا إليه، أن قلنا في مرات عديدة حذار، حذار من إضعاف الطبقة السياسية الوطنية، حذار من ضرب مصداقية الفاعل السياسي والمس بصلاحيات المؤسسات السياسية المختلفة، حذار من التدخل في شؤون الأحزاب ومن عدم احترام استقلالية الأحزاب، لأن كل ذلك سيؤدي إلى تبخيس الصورة، بالنسبة للفضاء السياسي وللفاعلين السياسيين: كل ذلك سيؤدي إلى هوة حقيقية بين الشعب وبين الفاعلين السياسيين، إلى درجة ستصل إلى تعميم غير مستحق، بمعنى أن أولاد عبد الواحد كلهم واحد، أي أن الكل في سلة واحدة، واليوم أعتقد أننا وصلنا إلى درجة خطيرة لهذا المستوى. ووقوف صاحب الجلالة في خطاب الدخول البرلماني لهذه السنة، لا يمكننا إلا أن نثمنه وإلا أن نقول فعلاً، هناك مشكل اليوم على هذا المستوى، ويتعين على الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها أن تستفيق من سباتها، وأن تكون لها كلمة. وأن تتعامل بجرأة مع هذا الواقع، وأن تقوم بنقد ذاتي فعلاً من أجل السير في اتجاه مختلف تماماً، ولكن هناك كذلك ضرورة لأن تكون للدولة مقاربة مختلفة. تعتمد على الرفع من شأن الطبقة السياسية وعلى المساعدة على إعادة تأهيل هذه الطبقة السياسية، وعلى احترام استقلالها وخصوصياتها، إذا سرنا في هذا الاتجاه هناك إمكانية لاستدراك الأمر وتصحيح المسار، لا قدر الله إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه، اعتقد أننا سوف نكون أمام باب مفتوح على مصراعيه على الشعبوية، على العفوية، على الرفض والعدمية، على ممارسات لا تختلف كثيراً في الفضاء السياسي عما تشهده ملاعب كرة القدم في نهايتها من ممارسات سخيفة وخطيرة، لذلك حذار من أن نستمر في التبخيس، ونحن بدورنا نؤيد النداء الذي وجهه صاحب الجلالة وعلينا جميعاً  اليوم أن نراجع ما نحن بصدده.

لقد وصل الأمر إلى تدن وإفلاس كبيرين. حتى أصبحت الأحزاب السياسية خاصة المستقلة في قرارها السياسي مليئة بالأمراض الاجتماعية الخطيرة التي أفقدتها مصداقيتها لدى المواطن، وتحولت إلى جزء من المشكل بدل أن تكون جزءاً من الحل؟

هذا هو الأخطر، عندما نمارس السياسة بهذه الأشكال المتدنية، عندما لا تكون للأحزاب السياسية استقلالية في قرارها، عندما يتم تبخيس العمل السياسي، عندما نرى وسائل الإعلام العمومية بالدرجة الأولى كلها ضرب ونقد لاذع للسياسة والسياسيين باستمرار، دون تمييز بين مختلف الفرقاء، عندما نرى كل ذلك يتعين أن نقف بشكل صارم من داخل الأحزاب على مسألة الانتهازية وخدمة المصالح الذاتية والفردانية، عند مسألة استعمال الأحزاب للتسلق فقط وللوصول للمناصب دون احترام القيم والمبادئ والمرجعيات، والأخلاق في السياسة، وحزب التقدم والاشتراكية آمن دائماً بأن هناك أخلاقاً في السياسة، وهذا ما جعلني أبادر بشكل فوري إلى تقديم اعتذار علني ذات مرة، لأنني بدوري أمام النرفزة وأمام محاولة البعض للإساءة للحزب، صدر مني رد فعل غير مقبول أخلاقياً، ولكن كانت هناك ممارسات أخرى اعتذرت عنها ليس على مستوى شخصي، لكن  بشكل جماعي باسم الحزب عموماً، لأنه هناك ضرورة لأن نعطي صورة مخالفة عن السياسة ولنقوم باستنهاض الهمم لمراجعة ما نحن بصدده، من يريد المصلحة الشخصية، من يريد الاغتناء الشخصي، نحن لسنا في معترك لقضاء أغراض شخصية، منيريد ذلك عليه أن يختار مجال الأعمال أو مجالات أخرى ليشتغل، ولذلك سنستغل نحن في حزب التقدم والاشتراكية هذه الفترة التي سنقضيها في المعارضة لنقوم بتنقية صفوفنا، ولنقوم بمراجعة للذات، ولنفسر للجميع أنه من كان يؤمن بحزب التقدم والاشتراكية انطلاقاً من مبادئه ومن معاييره ومن مرجعياته، فالحزب هاهو حي يواصل، ومن كان يؤمن بحزب التقدم والاشتراكية كوسيلة للوصول، فيمكن أن يعتبر بأنه هو قد مات، وأن حزب التقدم والاشتراكية سيواصل لأنه ينتمي للصنف الأول من الأحزاب، وهذا ما سنسعى للقيام به، وإن دعت الضرورة إلى أن نتخذ إجراءات بعينها في هذا الشأن فلن يفرط الحزب في ذلك ولن يتهاون في ممارسة نقده الذاتي على كافة المستويات. هكذا فقط يمكن أن تسترجع الطبقة السياسية ثقة الشعب، وليس هناك أي مستقبل لبلادنا سواء سياسياً أو كذلك اقتصادياً دون عنصر الثقة.